الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وأما ما كان منها من الإبل فلا شيء فيه حتى تكون خمسا ، فإذا كانت خمسا وحال عليها الحول ففيها شاة ، ثم كذلك فوق الخمس حتى تكون عشرا ، فإذا كانت عشرا ففيها شاتان ، ثم كذلك فيما فوق العشر حتى تكون خمس عشرة ، فإذا كانت خمس عشرة ففيها ثلاث شياه ، ثم كذلك حتى تكون عشرين ، فإذا كانت عشرين ففيها أربع شياه ، ثم كذلك فيما فوق العشرين حتى تكون خمسا وعشرين ، فإذا كانت كذلك ففيها ابنة مخاض .

                  فهذا ما لا نعلم فيه اختلافا بين أهل العلم جميعا إلا شيء يروى فيه عن علي بن أبي طالب يخالف ذلك في الخمس والعشرين خاصة ، وهو أنه روي عنه ، أنه قال : في خمس وعشرين خمس شياه ، فإذا كانت ستا وعشرين ففيها ابنة مخاض .

                  598 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن عاصم بن ضمرة ، عن علي رضي الله عنه [ ص: 297 ] .

                  وهذا قول قد دفعته الآثار المروية في خلافه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعن أبي بكر ، وعن عمر في كتب صدقاتهم لولاتهم عليها ، فمن ذلك ما :

                  599 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، قال : حدثني أبي ، عن ثمامة بن عبد الله بن أنس ، عن أنس ، أن أبا بكر الصديق لما استخلف وجه أنس بن مالك إلى البحرين وكتب له هذا الكتاب : " هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين ، التي أمر الله - عز وجل - بها رسوله ، فمن سئلها من المؤمنين على وجهها فليعطها ، ومن سئل فوقها فلا يعطها ، وفي أربع وعشرين من الإبل فما دونها الغنم في كل خمس شاة ، فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها ابنة مخاض أنثى ، فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون " .

                  600 - وما قد حدثنا الربيع المرادي ، قال : حدثنا أسد ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، قال : " أخذت من ثمامة بن عبد الله بن أنس كتابا زعم أن أبا بكر الصديق كتبه لأنس حين بعثه مصدقا ، وعليه خاتم أبي بكر - رضي الله عنه - ، وخاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكتبه لي ، فإذا فيه فريضة الصدقة التي فرضها الله - عز وجل - على المسلمين التي أمر الله - عز وجل - بها رسوله صلى الله عليه وسلم ، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها ، ومن سئل فوقها فلا يعطها : فيما دون خمس وعشرين من الإبل الغنم في كل خمس ذود شاة ، فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين ، فإن لم تكن فيها ابنة مخاض فابن لبون ذكر " .

                  601 - وما قد حدثنا بكار ، قال : حدثنا أبو عمرو ، قال : حدثنا حماد ، قال : أرسلني ثابت البناني إلى ثمامة بن عبد الله بن أنس ليبعث إليه بكتاب أبي بكر الذي كتبه لأنس حين بعثه مصدقا .

                  قال حماد : فدفعه إلي ، فإذا فيه خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا فيه ذكر فرائض الصدقات التي فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين التي أمر الله - عز وجل - بها نبيه ، فمن سئلها من المؤمنين ،
                  ثم ذكر مثل حديث الربيع سواء [ ص: 298 ] .

                  602 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنا ابن لهيعة ، عن عمارة بن غزية ، عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم ، أخبره أن هذا كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم ، فريضة الإبل ليس فيما دون خمس من الإبل صدقة ، فإذا بلغت خمسا ففيها شاة إلى تسع ، فإذا بلغت عشرا ففيها شاتان إلى أربع عشرة ، فإذا بلغت خمس عشرة ففيها ثلاث شياه إلى تسع عشرة ، فإذا بلغت عشرين ففيها أربع شياه إلى أربع وعشرين ، فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها ابنة مخاض ، فإن لم توجد ابنة مخاض فابن لبون ذكر " .

                  603 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، قال : هذه نسخة كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كتب في الصدقة ، وهي عند آل عمر بن الخطاب : أقرأنيها سالم ، وعبد الله ابنا عبد الله بن عمر ، فوعيتها على وجهها ، هي التي نسخ عمر بن عبد العزيز من سالم ، وعبد الله ابني ابن عمر ، حتى أمر على المدينة وأمر عماله بالعمل بها ، ثم ذكر مثله .

                  604 - حدثنا فهد بن سليمان بن يحيى ، قال حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي ، قال : حدثنا عبد السلام بن حارث ، عن يزيد بن عبد الرحمن أبي خالد الدالاني ، عن إبراهيم الصايغ ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " في خمس وعشرين من الإبل بنت مخاض ، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر " .

                  605 - حدثنا أحمد بن داود ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يأخذ صدقات الإبل على هذا الكتاب ، فذكر مثله .

                  606 - حدثنا أحمد بن داود ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم ، عن أبيه ، عن جده ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب لعمرو بن حزم : " في خمس من الإبل شاة ، وفي عشر شاتان ، وفي خمس عشرة ثلاث شياه ، وفي عشرين أربع شياه ، فإذا كانت خمسا وعشرين [ ص: 299 ] ففيها ابنة مخاض ، فإن لم تكن في الإبل ابنة مخاض ، فابن لبون ذكر " .

                  607 - حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا حبيب بن أبي حبيب ، قال : حدثنا عمرو بن حزم ، قال : حدثنا محمد بن عبد الرحمن الأنصاري ، قال : لما استخلف عمر بن عبد العزيز أرسل إلى المدينة يلتمس كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصدقات ، وكتاب عمر بن الخطاب ، فوجد عند آل عمرو بن حزم كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عمرو بن حزم في الصدقات ، ووجد عند آل عمر كتاب عمر في الصدقات مثل كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نسخا ، فحدثني عمرو أنه طلب إلى محمد بن عبد الرحمن أن ينسخه ما في ذينك الكتابين ، فنسخ له ما في هذا الكتاب ، فكان مما فيه أن الإبل ليس فيها شيء ، حتى تبلغ خمسا ، فإذا بلغت خمسا ففيها شاة حتى تبلغ تسعا ، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى أن تبلغ أربع عشرة ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى أن تبلغ تسع عشرة ، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه إلى أن تبلغ أربعا وعشرين ، فإذا صارت خمسا وعشرين ففيها ابنة مخاض ، فإن لم توجد في الإبل ابنة مخاض فابن لبون ذكر .

                  فكانت هذه الآثار دافعة لما روي عن علي - رضي الله عنه - في الخمس والعشرين أن فيها خمس شياه ، مع أن سفيان الثوري قد روي عنه إنكاره لذلك أن يكون صحيحا عن علي ، وقال : علي كرم الله وجهه أعلم من أن يقول هذا .

                  ثم النظر أيضا بعد ذلك يدفع هذا الذي رويناه عن علي ، ويشهد لما رويناه فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر ، وعمر ، وذلك أنا رأينا حكم الإبل من الواحدة إلى الخمس والعشرين ، كلما وجبت فيه منها فرض معلوم فلا شيء بعده غير ذلك الفرض بعينه حتى يزيد عددا معلوما ، ثم كذلك فما بعد الست والعشرين لا شيء فيه حتى يكون بينه وبين الفرض الذي بعده عدد معلوم لا يوجب فرضا مستحدثا ، فكان القياس على ذلك أن يكون كذلك حكم الخمس والعشرين ، فإذا وجب فيها فرض معلوم أن لا يكون فيما زاد عليها شيء حتى تبلغ مقدارا له عدد معلوم [ ص: 300 ] .

                  وقد ذكرنا فيما رويناه من هذه الآثار ، " فإن لم تكن في الإبل بنت مخاض فابن لبون ذكر " ، وهذا موضع يختلف أهل العلم فيه ، فقائلون منهم يقولون : هذا الواجب في الخمس والعشرين من الإبل إذا لم توجد فيها ابنة مخاض . وممن قال بذلك منهم : مالك ، والشافعي .

                  وقائلون منهم يقولون : لا يجب فيها ابن لبون ذكر ، وإنما تجب فيها ابنة مخاض إن كانت موجودة فيها ، أو جاء بها صاحب الإبل مما سواها ، أو قيمتها دراهم أو دنانير ، وهكذا كان أبو حنيفة ، وزفر ، وأبو يوسف ، ومحمد رحمهم الله يقولون في هذا .

                  والآثار كلها فعلى القول الأول الذي روينا عن مالك ، والشافعي إلا حديث محمد بن عبد الله الذي رويناه في هذا الباب عن إبراهيم بن مرزوق ، فإن هذا الحرف ليس فيه ، ولكنه في حديث حماد بن سلمة الذي حكاه عن ثمامة وليس كذلك عنه به ، وحديث محمد ، عن أبيه ، عن ثمامة سماعا .

                  والنظر ما ذهب إليه أبو حنيفة ، وزفر ، وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن ، في ذلك ، وذلك أن جميع الفرائض في الصدقات في الإبل ليس فيها ذكر المذكور في شيء منها ، إنما فيها بنات مخاض ، وبنات لبون ، وحقاق ، وجدعات ، وشياه ، ونهى عن أخذ تيس الغنم ، فكان القياس على ذلك ألا يدخل فيها الذكران من بني اللبون .

                  والآثار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن أصحابه أولى من النظر ، غير أن هذه الآثار عندنا لم تتصل بأبي حنيفة ، وزفر ، وأبي يوسف ، ومحمد ، ولو اتصلت بهم عندنا لقالوا بها ، لأنه ليس لأحد الخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية