الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  ولما كان في موضع وضع اليدين من الاختلاف ما ذكرنا ، ووجدنا التكبير من الناس بعضهم لبعض هو وضع اليدين على الصدر ، وذلك مكروه ، فكان أولى بنا أن نجعل المباح لنا بخلافه .

                  فكان من حجة من ذهب في ذلك إلى القول الأول أن قال : إذا كان وضع إحدى اليدين على الأخرى في الصلاة إنما هو كقوله - عز وجل - : ( فصل لربك وانحر ) كان الموضع الذي هو أقرب إلى النحر أولى أن توضع اليدان عليه .

                  قالوا : وقد روي في ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يقطع الاختلاف فيه ، فذكروا في ذلك ما حدثنا أبو بكرة ، قال :

                  329 - حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن وائل بن حجر - رضي الله عنه - ، قال : " رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد وضع يديه على صدره إحداهما على الأخرى " .

                  فكان من الحجة عليهم لأهل المقالة الثانية إنا قد رأينا حقيقة النحر لا توضع اليدان عليها في قول أحد من الفريقين ، وإنما توضع على غيرها مما هو دونهما ، وكان ذلك موضعا لم توقف حقيقته ، فوجدنا الذين قالوا إن المراد بذلك وضع إحدى اليدين على الأخرى في الصلاة ، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو علي - رضي الله عنه - ، قال : توضع تحت السرة ، وتابعه على ذلك أبو هريرة - رضي الله عنه - ، قالا جميعا : إن ذلك من السنة ، وذلك مما لا يوجد من جهة الاستنباط ولا من جهة الرأي ، فيكون ما روى وائل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك أولى من قولهما ، ولكنه إنما يوجد من جهة التوقيف من الرسول - صلى الله عليه وسلم - إياهما على ذلك ، فصار ما رويناه عنهما ذلك مكافئا لما رويناه فيه عن وائل ، ولما كان الذي رواه وائل فيه عن النبي صلى الله [ ص: 187 ] عليه وسلم ما يوافق أفعال أهل الكتابين في صلاتهم ، والذي رويناه ، عن علي ، وأبي هريرة ، مما لا يكون مأخوذا عن غير النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف ذلك كان أولى مما روى وائل ، لأن الذي كان على النبي - صلى الله عليه وسلم - اتباع شريعة من كان قبله من الأنبياء صلوات الله عليهم حتى يحدث الله - عز وجل - له شريعة ما تنسخ ذلك ، فصححنا الروايتين جميعا ، فجعلنا ما روى وائل بن حجر من ذلك متقدما ، وما روي عن علي ، وأبي هريرة في ذلك متأخرا ناسخا لما كان قبله .

                  فإن قال قائل : فقد ذكرتم في هذا الباب أن ما وقع عليه اسم السنة هو ما لم ينزل به كتاب ، وبينتم بذلك قول علي في تأويل قول الله - عز وجل - : ( وانحر ) أنه وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة ، ونفيتم أن يكون هو النحر الذي يفعل يوم النحر لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك : " فقد وافق سنتنا " ، ثم رويتم عن علي ، وأبي هريرة ، أن وضع اليدين في الصلاة إحديهما على الأخرى تحت السرة من السنة . فإذا كان وضع إحدى اليدين على الأخرى في الصلاة من السنة دل ذلك على أنه ليس المراد بالآية كما دلت السنة في النحر عندكم على أنه ليس المراد بالآية ؟ .

                  قيل له : أما قول علي ، وأبي هريرة في ما رويناه عنهما مما ذكرت أنه من السنة فليس ذلك على نفس النحر المتأول ، ولا على وضع إحدى اليدين على الأخرى في الصلاة ، ولكنه على الموضع الذي توضع فيه اليدان ، وذلك لم يأت به كتاب ، وإنما جاءت به السنة ، فكان سنة كما قالا .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية