الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وهذا الذي ذكرنا من الفرائض في المواشي السائمة ، فعلى المسان منها فأما إذا كانت عجاجيل كلها ، أو فصلانا كلها ، أو حملانا كلها ، فإن أهل العلم يختلفون في ذلك ، فطائفة منهم تقول : لا شيء فيها ، وممن قال ذلك أبو حنيفة ، ومحمد حدثنا ابن العباس ، عن علي ، عن محمد ، عن أبي يوسف ، عن أبي حنيفة بذلك .

                  قال محمد : وهو قولنا ، وقد روي هذا عن الشعبي .

                  621 - حدثنا يحيى ، قال : حدثنا نعيم ، قال : حدثنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن جابر ، عن الشعبي ، قال : " ليس على الفصال حتى تكون بنات مخاض صدقة ولا على السخال ولا على البقر حتى تجذعن " .

                  وطائفة منهم تقول : فيها مثل الذي كان يجب فيها لو كانت مسانا كلها . وممن قال بذلك منهم : زفر . حدثنا بذلك محمد عن يحيى بن سليمان ، قال : أخبرنا الحسن بن زياد ، عن زفر بهذا القول .

                  وطائفة تقول : فيها الزكاة ، ويؤخذ العدد الذي يجب فيها منها ، ولا يكلف صاحبها أن [ ص: 307 ] يأتي بما هو أسن من جميعها وممن قال بذلك : أبو يوسف ، حدثنا محمد ، عن علي ، عن محمد ، عن أبي يوسف بمعنى هذا القول ، وإن كنا قد زدنا في كشف معناه .

                  وقد رويت هذه الأقوال الثلاثة عن أبي حنيفة غير أن آخر أقواله التي ثبت عليه منها القول الذي ذكرناه عنه في هذا الباب . حدثنا بذلك من أقواله هذه أحمد بن أبي عمران ، عن ابن سماعة ، عن أبي يوسف ، أن أبا حنيفة كان قال هذه الأقوال كلها ، ورجع من بعضها إلى بعض .

                  ولما اختلفوا في ذلك نظرنا فيما أجمعوا عليه من أشكاله لنعطف ما اختلفوا فيه عليه ، فرأيناهم يقولون في المواشي : إذا كانت مسانا وصغارا بعد أن تكون المسان منها في هذا العدد الذي تجب فيه الزكاة ، فحال عليها الحول أنه يحسب على صاحبها بصغارها كما يحسب عليه بمسانها وكذلك روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في الاحتساب بالصغار على أهلها مع الكبار منها .

                  622 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره ، عن ثور بن زيد الديلي ، عن ابن لعبد الله بن سفيان الثقفي ، عن جده سفيان بن عبد الله ، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بعثه مصدقا وكان يعتد على الناس بالسخل ، فقالوا : أتعتد علينا بالسخل ، ولا تأخذ منها شيئا ؟ فلما قدم على عمر ذكر ذلك له ، فقال عمر : " نعم ، نعتد عليهم بالسخلة يحملها الراعي ، ولا نأخذها ، ولا نأخذ الأكولة ، ولا الربى ، ولا الماخض ، ولا فحل الغنم ، ونأخذ الجذعة ، والثنية ، وذلك عدل بين غذاء المال وخياره " .

                  623 - حدثنا يونس ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن الحسن بن مسلم بن يناق المكي ، قال : بعث عمر عاملا له من ثقيف على الصدقة ، فتخلف يوما ، فقال : " لا أراك متخلفا ، ولك أجر الغازي في سبيل الله - عز وجل - " فقال : يا أمير المؤمنين ، وإنك لتقول ذلك ، وإنهم ليقولون : إنكم تظلموننا تحسبون علينا الصغيرة ولا تأخذونها ، قال : " احسبها ، وإن جاء بها الراعي في كفه ، وأنت أيضا فقل لهم : إنا ندع الربى ، والأكيلة ، والماخض ، والفحل " .

                  قال الحكم : الربى : التي تربي ولدها ، والأكيلة : السمينة ، والماخض : الوالد ، والفحل : هو الفحل المعروف .

                  624 - حدثنا يحيى ، قال : حدثنا نعيم ، قال : حدثنا ابن المبارك ، قال : حدثنا عبيد الله بن [ ص: 308 ] عمر ، عن بشر بن عاصم ، عن أبيه ، عن جده ، قال : بعثني عمر على صدقات قومي ، فاعتددت لهم بالبهم ، فقالوا : إن كنت تعدها من الغنم فخذها منها ، فلقيت عمر ، فأخبرته بذلك ، فقال : " اعتد بها عليهم ، وإن جاء بها الراعي يحملها في كفه " وقال : " إنا ندع لهم الماخض ، والربى ، وشاة اللحم ، وفحل الغنم ، ونأخذ الجذع ، والثني ، فذلك وسط من المال بيننا وبينهم " .

                  فلما كانت الصغار تحتسب بها فيما ذكرنا حتى تجعل كالمسان كلها ، كانت كذلك إذا كانت صغارا كلها كالمسان في الواجب فيها .

                  وكان مما يدخل على أهل هذا القول ، أن هذا لو كان فيما ذكرت ، لكانت المسنة تؤخذ من الصغار وإن جاوزت قيمتها قيم الصغار ، واستحال أن يكون ذلك كذلك ، لأنا وجدنا الزكاة المتفق عليها ، إنما هي أجزاء من المال الذي وجبت فيه ، أو شيء تكون قيمته قيمة جزء من المال الذي وجبت فيه ، ولا تكون قيمته تفي بالمال الذي تجب فيه ولا تجاوزه ، فبطل بذلك القول الأول ، وثبت أحد القولين .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية