الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  تأويل قول الله - عز وجل - : ( ولا تقربوهن حتى يطهرن )

                  قال الله - عز وجل - : ( ولا تقربوهن حتى يطهرن ) ، فقوله : ( حتى يطهرن ) نهاية لما نهوا عنه لما قد ذكرنا في الباب الذي قبل هذا الباب من المحيض كما قال - عز وجل - : ( سلام هي حتى مطلع الفجر ) وكما قال : ( فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ) وكانت هذه نهايات لما قدر الله - عز وجل - فيها ، ولم يبين لنا ما ذلك الطهر ؟ فنظرنا في ذلك فوجدنا إبراهيم بن مرزوق :

                  173 - قد حدثنا ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، " ( ولا تقربوهن حتى يطهرن ) ، قال : " حتى يطهرن من الدم ، فإذا تطهرن ، قال : اغتسلن " .

                  ولا نعلم في هذا التأويل اختلافا بين أهل العلم ، وانقطاع الدم وليس بطهر في نفسه لأنها وإن خرجت به من الحيض فإنها غير مباح لزوجها جماعها ، وغير مباح لها الصلاة والطواف بالبيت حتى تغتسل بالماء أو تيمم بالصعيد عند عدم الماء ، وإنما معنى ( حتى يطهرن ) والله أعلم ، أي : حتى يحل لهن أن يتطهرن بما يطهرن به من الماء أو الصعيد ، لأن المرأة في حال حيضها لو اغتسلت لم تخرج بذلك الغسل إلى طهارة ، وهي بعد انقطاع الدم عنها تكون طاهرا بالغسل بالماء ، وقد جاء مثل هذا في اللغة وفي الكلام المستعمل المتعارف منها ، وهو قولهم للمطلقة : إذا انقضت عدتها قد حلت للرجال ليس على معنى أن وطئها قد حل لهم ، ولأنها صارت بذلك زوجة لبعضهم ، ولا على معنى أنه قد حل لهم تزويجها الذي به تحل لهم حتى تعالى ذلك إلى لغة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله لفاطمة بنت قيس في عدتها : " إذا حللت فآذنيني " .

                  ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : " من كسر أو عرج فقد حل " ليس على معنى أنه قد حل صار حلالا كمن لم يكن محرما ، ولكن على معنى فقد حل له أن يحل أي : يبعث بهدي فيحل به ، ولو كان بعث بهدي بغير كسر ولا عرج ولا عدو فيجزئ عنه لم [ ص: 128 ] يكن بذلك حلالا فلما كان الكسر والعرج هما يبيحانه أن يبعث بهدي يحل به قيل لهما : أيهما حل له وكذلك المرأة التي كان الاغتسال في حال حيضها لا يطهرها الماء ، وإذا انقطع الدم عنها وصارت في حال من يطهرها اغتسالها قبل لما صارت إليه من ذلك طهرها .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية