الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  ثم حط ذلك منها في وقت جذاذها ، فإن وجد وقت الجذاذ في ثمره المخروصة زيادة على ما خرصت ، أو نقصت منه فإن أهل العلم يختلفون في ذلك فأما القاسم بن محمد فروي عنه في ذلك ما :

                  729 - حدثنا يونس ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : حدثني ابن لهيعة ، عن بكير ، قال : سمعت القاسم وجاء إليه رجل ، فقال له : جاء الخارص فخرص ثمري فنقص خرصه عما كان فيه ، أو زاد .

                  فقال القاسم : " ليس عليك شيء فيما نقص أو زاد ، إنما عليك ما خرص وهو كاسمه فيما خرصه هذا الخارص ، إنما ذلك إليه " . وقد روي هذا عن مالك .

                  730 - حدثنا يونس ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : سمعت مالكا ، يقول : " إذا كان الخارص من أهل البصر والأمانة فزاد خرصه أو نقص فلا شيء على صاحب الثمر " وأما ابن سيرين فروي عنه خلاف هذا .

                  731 - حدثنا يحيى بن عثمان ، قال : حدثنا نعيم ، قال : حدثنا ابن المبارك ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، قال : " كان الخارص يخرص ، فإذا وجد صاحب الثمرة ثمرته أكثر مما خرص رد عليهم " .

                  وهذا القول أحب إلينا وأشبه بالقياس من الوجه الآخر ، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر المرأة في حديث أبي حميد بإحصاء الثمرة بعد الخرص الأول المحصى منها هو المرجوع إليه ، ولولا ذلك لما كان لإحصائها إياها بعد أن خرصها عليها معنى ، ولأن الخارص لا يكون في خرصه أعدل من حكم الصيد في حكمها ، ألا ترى أنهما لو حكما حكما فيما حكما فيه من ذلك فأخطأ وزادا على قاتل الصيد في قيمة ما حكما عليه به ، [ ص: 353 ] أو نقصاه من قيمته ما قتل ، أو يجاوزانه نظير ما قتل إلى ما أرفع منه من النعم ، أو نقصاه من نظير ما قتل فرده إلى أقل من ذلك من النعم ، أن ذلك غير مزيل عنه شيئا مما وجب لله - عز وجل - عليه ، وأنه لا بد له من الخروج مما وجب لله - عز وجل - عليه من ذلك إلى من يجب عليه الخروج من ذلك إليه ، وأن ما كان من الحكمين لا يغير الأمر عما كان عليه في الحقيقة ، ولا يزيد فيه ولا ينقص منه كالخرص الذي ذكرنا أحرى أن يكون كذلك ، ولما كان الخرص الذي ذكرنا ، قد استعمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك ، وهي آخر غزواته في أخرياته صلى الله عليه وسلم ، وأمر المرأة التي يخرص عليها بإحصاء الثمرة التي خرصها عليها ، ولا يكون ذلك إلا والمراد منها هو ما توقف على حقيقته منها في وقت جذاذها .

                  واستعمل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من بعده التخفيف عن أهل الثمار في خرصها عليهم ، كنحو ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر به الخراص في حديث سهل ، واستعمل سهلا من بعده ، دل أن الخرص إنما يراد لإحصاء الثمار خاصة لترتفع به التهمة عن أهلها فيما يذكرون في المستأنف أنهم وجدوه منها ، ولتوقف على مقدارها حزرا لا حقيقة فيه ، ثم يرجع إلى الحقيقة فيها في كيل ما يؤخذ منها على ما يقوله أهلها ، وفي ذلك ما دل أن ما كان من ابن رواحة من تخييره أهل خيبر بين أخذ جميع ما خرصه وضمان مثل نصفه له ، أو تسليمه وضمانه مثل نصفه لهم منسوخا بنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المزابنة وهي بيع الثمر في رؤوس النخل بالتمر كيلا ، وبما سوى ذلك مما نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية