الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  قال أحمد : والأمر في ذلك عندنا والله أعلم على ما قال ابن شهاب ، وعلى أن [ ص: 469 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما أطلق للنساء شهود الصلوات إذا كن لا يخالطن الرجال في انصرافهن منها ، وإذا كانت مخالطتهن الرجال في الانصراف منها مكروهة ، كانت مخالطتهن إياهم في نظر كل فريق منهم إلى الفريق الآخر مكروهة أيضا ، ولقد فضل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع ذلك صلاتهن في بيوتهن على صلاتهن في المساجد وروي في ذلك ما :

                  1062 - حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا إسماعيل بن يهود الواسطي ، قال : حدثنا محمد بن يزيد ، عن العوام بن حوشب ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تمنعوا النساء المساجد ، وبيوتهن خير لهن " .

                  1063 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا عبد الله بن رجاء العرابي ، قال : حدثنا جرير ، عن أبي زرعة ، أن أبا هريرة حدثه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " لأن تصلي المرأة في بيتها أعظم لأجرها من أن تصلي في مسجد جماعة ، خير لها من أن تخرج إلى الصلاة يوم العيد " .

                  فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد فضل صلاة المرأة في بيتها على صلاتها في المساجد .

                  فإن قال قائل : فقد روي عن أم عطية ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلاف هذا ، وذكر في ذلك ما :

                  1064 - حدثنا بكار ، قال : حدثنا وهب ، قال : حدثنا هشام بن حسان ، عن حفصة ، عن أم عطية ، قالت : " أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نخرجهن يوم الفطر ويوم النحر العواتق ، وذوات الخدور ، والحيض ، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ، ويشهدن الخير ودعاء المسلمين " .

                  قلنا : يا رسول الله ، أرأيت إحداهن إن لم يكن لها جلباب ؟ قال : " فلتلبسها أختها من جلبابها " .


                  1065 - حدثنا صالح بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا منصور بن زاذان ، عن ابن سيرين ، عن أم عطية ، وعن هشام ، عن حفصة ، عن أم عطية ، قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج الحيض وذوات الخدور يوم العيد ، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين .

                  وقال هشام في حديثه : فقالت امرأة : يا رسول الله ، فإن لم يكن لإحدانا جلباب ؟ قال : " [ ص: 470 ] فلتعرها أختها جلبابها " .

                  قيل له : هذا عندنا والله أعلم قبل أن نؤمر بالحجاب ، وكان مباحا للرجال النظر إلى النساء لنظرهن إلى الرجال ، ثم نسخ ذلك ، وردت أمور النساء إلى غض الأبصار عنهن ، وأمرن بلزوم البيوت .

                  ولما فضلت البيوت للنساء على المساجد فصارت البيوت لهن أفضل ، كان خروجهن عنها إلى المساجد خروجا عن الأفضل إلى ما هو دونه ، وصرن في ذلك ضدا للرجال ، لأن خروج الرجال إلى المساجد للصلاة فيها أفضل من تخلفهم عن ذلك .

                  ولما كان موضع اعتكاف الرجال هو موضع الفضل لهم في الصلوات المكتوبات ، كان موضع اعتكاف النساء في موضع الفضل لهن في الصلوات المكتوبات ، وهن في بيوتهن ، وهذا قول أبي حنيفة ، وزفر ، وأبي يوسف ، ومحمد .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية