الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  تأويل قوله تعالى : ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها )

                  قال الله - عز وجل - : ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما ) روي في سبب نزول هذه الآية ما :

                  234 - حدثنا أبو أمية ، وابن أبي داود ، قالا : حدثنا يحيى بن صالح الوحامي ، قال : حدثنا سليمان بن بلال ، قال : حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر رضي الله عنه ، قال : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب خطبتين ، فكان الجواري إذا نكحوا يمرون يضربون بالكير والمزامير فينسل الناس ، ويدعون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائما ، فعاتبهم الله - عز وجل - ، فقال : ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما ) .

                  235 - حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا سليمان بن أبي أويس ، قال : حدثني أبي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " كان يخطب الناس يوم الجمعة ، فإذا كان نكاح لعب أهله ومروا باللهو على المسجد ، وإذا نزل البطحاء خلت ، وكانت البطحاء مجلسا بفناء باب المسجد الذي يلي طريق العرقد ، وكان الأعراب إذا جلبوا الخيل ، والإبل ، والغنم ، وبضايع الأعراب نزلوا البطحاء ، فإذا سمع ذلك بعض من يقعد للخطبة التي في يوم الجمعة قاموا للهو والتجارة ، وتركوه قائما ، فعاتب الله - عز وجل - المؤمنين لنبيه ، فقال في كتابه : ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما ) الآية [ ص: 154 ] .

                  فلما عاتب الله - عز وجل - الناس على القيام عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطبته عليهم ، دل ذلك على أن القعود يوم الجمعة واجب على الناس ، ولولا ذلك لم يعاتب القائم للتجارة ، ولا للهو المباح ، كما لا يعاتبون للقيام لذلك عن غير خطبة يوم الجمعة ، وفي الخبر الذي روينا ما يدل على أن الخطيب يخطب للجمعة قائما ، وفيه أيضا أنه كان يخطب للجمعة خطبتين . وقد روي في ذلك أنه كان يقعد بينهما قعدة .

                  236 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن سماك بن حرب ، عن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - ، قال : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب قائما ، ثم يقعد ثم يقوم " .

                  وقد روي حديث جابر الذي ذكرنا بزيادة على الحديث الذي رويناه عنه .

                  237 - فحدثنا أحمد بن داود بن موسى ، قال حدثنا صالح بن عبد الرحمن الأزدي ، قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن حصين ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن جابر بن عبد الله ، قال : أقبلت عير ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم نصل الجمعة ، فانفض الناس إليها ، فما بقي غير اثني عشر رجلا ، فنزلت هذه الآية : ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما ) " .

                  238 - حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا الحسن بن عمر بن شقيق ، قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن حصين ، فذكر بإسناده مثله .

                  239 - حدثنا يزيد ، قال : حدثنا محمد بن كثير ، قال : حدثنا سليمان بن كثير ، عن حصين ، فذكر بإسناده مثله .

                  240 - حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا الفريابي ، قال : حدثنا قيس بن الربيع ، عن [ ص: 155 ] حصين ، عن طلحة ، عن جابر بن عبد الله ، في قوله - عز وجل - : ( وتركوك قائما ) ، قال : " جاءت عير وهو قائم يخطب ، فخرج الناس إليها حتى بقي اثني عشر رجلا ، فنزلت هذه الآية " .

                  241 - حدثنا أحمد بن داود ، قال : حدثنا عبد الأعلى بن حماد ، قال : حدثنا خالد بن عبد الله ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن جابر ، قال : أقبلت عير يوم الجمعة ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فانفتل الناس إليها ، فلم يبق مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا اثني عشر رجلا ، فأنزل الله - عز وجل - : ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما ) " .

                  حدثناه أحمد بن داود من طريق أخرى ، فقال :

                  242 - حدثنا عبد الأعلى بن حماد ، قال : حدثنا خالد بن عبد الله ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عن سالم بن أبي الجعد ، وأبي سفيان ، عن جابر .

                  فثبتت هذه الآثار بسبب نزول هذه الآية ، وكان في حديثي محمد بن علي ، وطلحة بن نافع وهو أبو سفيان من رواية قيس بن الربيع أنهم نفروا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخطبة .

                  وفي حديث سالم بن أبي الجعد أنهم نفروا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نصلي الجمعة .

                  فاحتمل قوله : ونحن نصلي الجمعة ، ونحن معه لصلاة الجمعة ، لأن من كان ينتظر صلاة فهو في صلاة ، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك ، فلم يجعله مخالفا لما روى محمد بن علي ، وطلحة ، عن جابر - رضي الله عنه - .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية