الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وقد قال قوم من المتأخرين ممن ينسب إلى التأويل : أن المراد بهذه الآية الاستماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما كان يتلوه على الناس من القرآن الذي كان ينزل عليه صلى الله عليه وسلم ، ليحفظوه ويعوه عنه ، ولم نجد له متقدما في هذا التأويل .

                  وما روي عن المتقدمين في هذا أولى ، ولا سيما عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأحب إلينا إذ كانوا يتعلمون التأويل مع تعلمهم القرآن ، فمن ذلك ما روي عن ابن مسعود ، وابن عمر .

                  480 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني شريك بن عبد الله ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن السلمي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، قال : " كنا نتعلم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر آيات ، فما نتعلم العشر بعدهن حتى نتعلم ما أنزل في هذا العشر من العمل " .

                  481 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن القاسم بن عوف ، قال : سمعت عبد الله بن عمر ، يقول : " لقد عشنا برهة من دهر وأحدنا يرى الإيمان قبل القرآن ، وتنزل السورة على محمد - صلى الله عليه وسلم - فنتعلم حلالها وحرامها ، وأمرها وزاجرها ، وما ينبغي أن نوقف عنده منها ، كما تعلمون أنتم اليوم القرآن .

                  ثم لقد رأيت اليوم رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان ، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ، ولا يدري ما أمره ولا زاجره ، ولا ما ينبغي أن يقف عنده منه وينثره نثر الدقل " .

                  وكان ما روينا ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - في تأويل هذه الآية مما قد ذكر بسبب نزول الآثار ، لأنها لاحتمالها ذلك ، ولو وجدنا للقول الذي حكيناه عن هؤلاء المتأخرين إماما [ ص: 246 ] جوز تقليده ذلك وحكايته عنه ، لكان هذا التأويل الذي ذهبنا إليه أشبه وأولى بها ، إذ كان أبو هريرة ، ومجاهد ، قد ذكرا السبب الذي فيه نزلت وإن كانا قد اختلفا فيه ، فقال كل واحد منهما فيه ما رويناه عنه في هذا الباب ، فإنهما لم يختلفا في أن المراد بالآية الصلاة ، وقد شد ذلك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                  482 - حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا الحسين بن عبد الأول الأحول ، قال : حدثنا سليمان بن حيان ، قال : حدثنا ابن عجلان ، عن زيد بن أسلم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا قرأ فأنصتوا " وكما .

                  483 - حدثنا نصر بن محمد ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا سليمان بن حيان ، فذكر بإسناده مثله .

                  وقد روى أبو موسى ، وأبو هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما :

                  484 - حدثنا ابن أبي عمران ، قال : حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام العجلي ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن قتادة ، عن أبي غلاب يونس بن جبير ، عن حطان بن عبد الله الرواشي ، عن أبي موسى ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " إذا قرأ الإمام فأنصتوا " .

                  485 - ما حدثنا أحمد بن سعيد بن شاهين البغدادي ، قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن سليمان التيمي ، عن قتادة ، عن أبي غلاب ، عن حطان بن عبد الله ، قال : صلينا مع أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - ، فذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " إذا كبر الإمام فكبروا ، وإذا قرأ فأنصتوا " .

                  ففي هذين الحديثين يثبت قول من ذهب من أهل العلم إلى ترك القراءة في الصلاة خلف الإمام فيما جهر فيه الإمام وفيما أسر وممن كان ذهب منهم إلى هذا القول أبو حنيفة ، والثوري ، وزفر ، وأبو يوسف ، ومحمد ، [ ص: 247 ] .

                  وقد كان مالك رحمه الله في كثير من أهل المدينة يذهبون في ذلك إلى أن المأمومين يقرؤون خلف الإمام فيما أسر فيه بالقراءة ، ولا يقرؤون خلفه فيما جهر .

                  وقد كان الشافعي رحمه الله في آخرين من أهل العلم يذهبون إلى أن المأمومين في ذلك كله يقرؤون خلف الإمام بفاتحة الكتاب لا بما سواها .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية