الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وقد ذكر قوم أنهم استدلوا بقول الله - عز وجل - : ( هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ) على المنع من جماع المستحاضة ، لأن الأذى موجود فيها كما هو موجود في الحائض ، وممن روى عن إبراهيم النخعي .

                  166 - حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : " المستحاضة لا تصوم ولا يأتيها زوجها ولا تقرأ في المصحف " . [ ص: 125 ]

                  وخالفه في ذلك أكثر أهل العلم سواه ، فأباحوا جماع المستحاضة ولم يجعلوها بالدم الذي بها كالحائض ، وممن روي ذلك عنه بكر بن عبد الله المزني .

                  167 - حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن حميد ، قال : قيل لبكر بن عبد الله المزني : إن الحجاج بن يوسف ، يقول : " إن المستحاضة لا يغشاها زوجها " فقال بكر : الصلاة أعظم حرمة ، يغشاها زوجها .

                  ولما اختلفوا في ذلك نظرنا فيه فوجدنا في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على ما اختلفوا فيه منه .

                  168 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثني عمرو بن الحارث ، وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي ، ومالك ، والليث ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها ، أنها قالت : قالت فاطمة ابنة أبي حبيش لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لا أطهر أفأدع الصلاة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما ذلك عرق وليست بالحيضة ، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة ، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي " .

                  169 - حدثنا صالح بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا المقري ، وحدثنا فهد ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا أبو حنيفة ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها ، أن فاطمة ابنة أبي حبيش أتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : إني أحيض الشهر والشهرين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن ذلك ليس بحيض ، وإنما ذلك عرق من دمك ، فإذا أقبل الحيض فدعي الصلاة ، وإذا أدبر فاغتسلي لطهرك ، ثم توضئي عند كل صلاة " [ ص: 126 ] .

                  170 - حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله ، غير أنه قال : " فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وتوضئي وصلي .

                  171 - حدثنا نصر بن مرزوق ، قال : حدثنا الحصيب بن ناصح ، وحدثنا أحمد بن داود ، قال : حدثنا سهل بن بكار ، قالا : حدثنا أبو عوانة ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها وتغتسل غسلا واحدا ، وتتوضأ لكل صلاة .

                  وفي هذا الباب آثار سنذكرها في باب الأقراء من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى .

                  172 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا حدثه ، عن نافع ، عن سليمان بن يسار ، عن أم سلمة ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها ، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر ، فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ، ثم لتستثفر بثوب ثم لتصل " .

                  فلما منعت السنة الحائض من الصلاة أباحتها المستحاضة ، دل ذلك على أن حكم الحائض مخالف لحكم المستحاضة ، وأن المستحاضة في أحكام الطاهرات لا في أحكام الحيض .

                  فإن قال قائل : إنما منعناه من الجماع على الدم خاصة قيل له : قد رأيناك تبيح جماع الأبكار اللاتي لا تكون مجامعتهن خالية من الدم . فدل ذلك على أن الدم الذي هو أذى ويمنع من الجماع دم الحيض خاصة ، لا سائر الدماء سواه ، وهذا قول مالك ، وأبي حنيفة ، وسفيان ، وزفر ، وأبي يوسف ، ومحمد ، والشافعي ، وأكثر أهل العلم في إباحة جماع المستحاضة في أيام استحاضتها والله الموفق [ ص: 127 ] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية