الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وينبغي للإمام إذا تناهى عظم الثمار ، واحمرت ، واصفرت ، وصارت في حال ما يؤكل منه أن يبعث إليها من يخرصها ، ثم إجافا ، ثم يخلى بين أهلها وبينها يأكلونها ويصنعون بها ما بدا لهم ، فإذا جذوا ثم نخلهم أدوا إليه عشرها ونصف عشرها على ما كان خرصها عليهم في البدء من غير أن يكون بخرصه إياها عليهم ، وبتخليته بينهم وبينها مملكا لهم [ ص: 345 ] حق الله - عز وجل - الواجب فيها من العشر أو من نصف العشر ، حتى يكون في معنى البائع كذلك منهم ، وحتى يكونوا في حال المتبايعين لذلك منه ، وحتى يكونوا ضامنين لذلك إن تلف أو أصابته جائحة ، وغير أن أهل الثمار كرهوا الخرص في ذلك ، واختاروا المكايلة في وقت ما تصير الثمرة ، ثم أخرص عليهم الخارص ليعلم ما حق الله - عز وجل - فيما خرصه عليهم ، ثم كايلهم في وقت الجذاذ ، وأخذ منهم ما يجب لله - عز وجل - تمرا .

                  713 - حدثنا يونس ، قال : حدثنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره ، قال : الأمر المجتمع عليه عندنا الذي لا اختلاف فيه أنه لا يخرص من الثمار إلا النخل والأعناب ، فإن ذلك يخرص حين يبدو صلاحه ويحل بيعه ، وذلك أن ثمر النخل والعنب يؤكل رطبا ، فيخرص على أهله للتوسعة على الناس ، لئلا يكون على أحد في ذلك ضيق ، فيخرص عليهم ثم يخلى بينهم وبينه يأكلونه كيف شاؤوا ، ثم يردون الزكاة على ما يخرص عليهم .

                  فأما ما لا يؤكل رطبا ، وإنما يؤكل بعد حصاده مثل الحبوب كلها ، فإنه لا يخرص ، وإنما على أهله فيه الأمانة إذا صار حبا ، حتى يؤدوا زكاته إذا بلغ في مثله الزكاة .

                  قال : والأمر المجتمع عليه فيه عندنا أن النخل يخرص على أهلها وفي رؤوسها ثمرها إذا طاب وحل بيعه يؤخذ منهم تمرا بالجذاذ ، فإن أصابت الثمرة جائحة بعد أن تخرص على أهلها وقبل أن يجذوه أحاطت الجائحة بالثمرة ، فليس عليهم فيه شيء ، وإن بقي من الثمر ما يبلغ خمسة أوساق فصاعدا أخذ منه زكاته ، وليس عليهم في ما أصابت الجائحة زكاة ، وكذلك العمل في الكرم .

                  وقد روي عن الشافعي في الخرص هذا المعنى .

                  فأما الذي وجدناه في ذلك عن محمد بن الحسن فيها ، لم يحك فيه خلافا بينه وبين أحد من أصحابه ، فإن سليمان بن شعيب حدثنا ، عن أبيه ، أن محمدا أملى عليهم : أن " العنب الأبيض والأسود ، والتمر الأسود ، والأصفر يضاف بعض ذلك إلى بعض ، فإذا أخرجت الأرض منه مقدار خمسة أوسق من التمر الجاف ، أو من الزبيب فيه العشر أو نصف العشر ، فإن بيع رطبا أو عنبا ، أو بسرا خرص ذلك تمرا إجافا أو زبيبا ، فإن بلغ ذلك في الخرص خمسة أوسق أخذ منه العشر أو نصف العشر ، وإن ذلك لا يبلغ في الخرص لم يؤخذ منه شيء " . [ ص: 346 ]

                  فهذا الذي وجدنا عن محمد في الخرص ، ولم نجد عنه في الخرص قبل بيع الثمار شيئا ، وإذا وجب أن يكون الإمام أن يستعمل الخرص فيما بيع من الثمار من النخل والأعناب على ما ذكرنا ، وجب أن يستعمله فيها قبل البيع ليتسع على أهلها بيع ما رأوا بيعه منها ، وأكل ما رأوا أكله منها ، كما روينا في ذلك عن مالك ، والشافعي ، وهكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل في الثمار .

                  714 - حدثنا ابن أبي داود ، وعبد الرحمن بن عمرو الدمشقي ، قالا : حدثنا الوحاظي ، وحدثنا علي بن عبد الرحمن بن المغيرة ، وأحمد بن داود ، قالا : حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ، قال : حدثنا سليمان بن بلال ، قال : حدثنا عمرو بن يحيى المازني ، عن عباس بن سهل بن سعد الساعدي ، عن أبي حميد الساعدي - رضي الله عنه - ، قال : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك ، فأتينا وادي القرى على حديقة امرأة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اخرصوها " ، فخرصها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخرصناها عشرة أوسق .

                  وقال : " أحصيها حتى نرجع إليك إن شاء الله " .

                  فلما قدمنا سألها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن حديقتها كم بلغ ثمرها ؟ قالت : عشرة أوسق .


                  715 - حدثنا أحمد بن داود ، قال : حدثنا إبراهيم بن المنذر ، قال : حدثنا عبد الله بن نافع ، قال : حدثنا محمد بن صالح ، عن ابن شهاب ، عن ابن المسيب ، عن عتاب بن أسيد ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أمره أن يخرص العنب زبيبا كما يخرص الرطب " .

                  فهذا الذي وجدنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذكر خرص الثمار في غير خيبر .

                  وفي حديث أبي حميد الذي روينا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر المرأة التي خرص عليها حديقتها بإحصاء ما فيها حتى يرجع إليها ، أي بإحصائه تمرا جافا .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية