الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  تأويل قوله تعالى : ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم ) الآية

                  قال الله عز وجل : ( وكلوا واشربوا حتى يتبين ) الآية .

                  1013 - حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا المقدمي ، قال : حدثنا الفضل بن سليمان النميري ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد ، قال : لما نزلت : ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ) ، جعل الرجل يأخذ خيطا أبيض ، وخيطا أسود فيضعهما تحت وساده ، ينتظر حتى يتبينهما فيترك الطعام قال : فبين الله - عز وجل - ذلك ونزلت : ( من الفجر ) " . [ ص: 452 ]

                  1014 - حدثنا أحمد بن داود بن موسى ، قال : حدثنا إسماعيل بن سالم ، مولى بني هاشم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : حدثنا حصين ، ومجالد ، عن الشعبي ، قال : أخبرنا عدي بن حاتم ، قال : لما نزلت هذه الآية : ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ) عمدت إلى عقالين أحدهما أسود والآخر أبيض ، فجعلت أنظر إليهما ، فلا يتبين لي الأبيض من الأسود ، فلما أصبحت غدوت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بالذي صنعت ، فقال : " إن وسادك لعريض ، إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار " .

                  1015 - حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج بن منهال ، قال : حدثنا هشيم ، قال حدثنا حصين ، عن الشعبي ، عن عدي ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثله .

                  1016 - حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا يوسف بن عدي ، قال : حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن حصين بإسناده ، مثله .

                  1017 - حدثنا محمد بن علي بن داود البغدادي ، قال : حدثنا سويد بن يعقوب الطالقاني ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن رجل من الأنصار يقال له : صرمة بن مالك ، وكان شيخا كبيرا جاء إلى أهله عشاء وهو صائم ، وكان إذا نام أحدهم قبل أن يطعم لم يأكل شيئا إلى مثلها ، والمرأة إذا نامت لم يكن زوجها يقربها حتى مثلها .

                  فلما جاء صرمة إلى أهله ، فدعا بعشائه ، فقالوا : أمهل حتى نتخذ لك طعاما سخنا تفطر عليه ، فوضع الشيخ رأسه فنام ، فجاؤوا بطعامه ، فقال : قد كنت نائما فلم يطعمه ، فبات ليلته ، فلصق ظهرا لبطن ، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبره ، فنزلت هذه الآية : ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ) فرخص لهم أن يأكلوا من أول الليل إلى آخره " .


                  وجاء عمر بن الخطاب وأتى أهله ، فقالوا : إنها كانت نامت ، فظن عمر أنها اعتلت عليه فواقعها ، فأخبرته أنها كانت نامت ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت فيه ( علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم ) إلى آخر الآية [ ص: 453 ] .

                  فدل ما ذكرنا على أن الدخول في الصيام من طلوع الفجر ، وعلى أن الخروج منه بدخول الليل ، وكان قوله عز وجل إلى الليل غاية لم يدخلها في الصيام بما بين لنا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                  1018 - حدثنا محمد بن عمرو بن يونس ، قال : حدثنا أبو معاوية الضرير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عاصم بن عمير ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أقبل الليل ، وأدبر النهار ، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم " .

                  وقد روي عن حذيفة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب ما :

                  1019 - حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا حماد ، عن عاصم بن بهدلة ، عن زر بن حبيش ، قال : " تسحرت ، ثم انطلقت إلى المسجد ، فمررت بمنزل حذيفة ، فدخلت عليه فأمر بلقحة ، فحلبت وبقدر فسخنت ، فقال : كل ، فقلت : إني أريد الصوم ، فقال : وأنا أريد الصوم ، قال : فأكلنا ، ثم شربنا ، ثم أتينا المسجد ، فأقيمت الصلاة ، قال : هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو صنعت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت : بعد الصبح ؟ قال : بعد الصبح ، غير أن الشمس لم تطلع " .

                  ففي هذا الحديث أن أول وقت الصيام من طلوع الشمس ، وأن ما قبل طلوع الشمس ، ففي حكم الليل وهذا عندنا والله فقد يحتمل أن يكون بعد ما أنزل الله عز وجل : ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ) قبل أن ينزل الله عز وجل ( من الفجر ) على ما في حديث سهل بن سعد الذي روينا في هذا الباب .

                  ثم أنزل الله عز وجل بعد ذلك : ( من الفجر ) وذهب ذلك عن حذيفة ، وعلمه غيره ، فعمل حذيفة بما علم إذ لم يعلم الناسخ ، وعلم غيره فصار إليه ، وعلم غيره الناسخ فصار إليه وعمل به ، وكان من علم من هذا شيئا أولى ممن لم يعلمه .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية