الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  فإن قال قائل : أفهو مالك لما في يده كما يقول مالك بن أنس وأصحابه في ذلك ؟ قيل : ليس هو مالك لما في يده .

                  فإن قال : وما يمنعه من الملك لما في يده وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من باع عبدا له مال فماله للبائع لا أن يشترط المبتاع " وذكر في ذلك ما :

                  548 - قد حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس بن يزيد ، والليث ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول : " من باع عبدا فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع " .

                  549 - وما قد حدثناه إسماعيل بن يحيى المزني ، قال : حدثنا الشافعي ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " من باع عبدا له مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع " . [ ص: 278 ] .

                  قالوا : وقد روي ذلك عن عمر بن الخطاب أيضا ، فذكروا ما :

                  550 - قد حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن عمر ، قال : " من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع " .

                  قالوا : فجعل العبد في هذين الحديثين ذا مال .

                  قيل لهم : بل في هذين الحديثين ما قد نفى ملك العبد للمال الذي في يده ؛ لأن فيهما ، فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع ، فقد جعل ما أضيف إلى العبد فيهما للبائع إلا أن يشترطه المبتاع ، فيكون له دون العبد .

                  فعقلنا بذلك أنه قد جعل ما أضيف إلى العبد فيما لا حقيقة ملك فيه للعبد ، وأنه كالباب المضاف إلى الدار الذي يقال له : باب الدار ، وكالحبل المضاف إلى الدابة الذي يقال له : حبل الدابة ، لا على أن الدار مالكة للباب المضاف إليها ، ولا على أن الدابة مالكة للحبل المضاف إليها .

                  551 - وقد حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع " .

                  552 - حدثنا المزني ، قال : حدثنا الشافعي ، عن سفيان ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " من باع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترطه المبتاع " .

                  فلم يكن ما أضافه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الثمر إلى النخل بقوله : " فثمرتها للبائع " على أن النخل لا تملك شيئا ، ولكن على الإضافة التي لا حقيقة ملك معها . وقد جاء كتاب الله - عز وجل - بمثل هذا المعنى ، وهو قوله - عز وجل - : ( وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت ) .

                  ولما كان المولى له أخذ ما في يد عبده لأنه مالكه دون عبده ، استحال أن يكون أخذه [ ص: 279 ] إياه من بلا حق ، كان لعبده فيه ، ولو كان لعبده فيه حق كان له أن يمنعه منه بحقه فيه ، ولأنه قد يبين بحقوقه عنه .

                  ألا ترى أنه لو أراد أن يحول بين عبده وبين أزواجه لم يكن له ذلك ؛ لأن النكاح حق لعبده قد بان به منه ، فعقلنا بذلك أن العبد إذا بان بشيء عن مولاه حتى يصير مالكا له كان في ملكه إياه كالحر في ملكه لمثله ، وكان له أن يمنع مولاه مما هو له دونه ، كما يمنع الأحرار بعضهم بعضا مما يملكون .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية