الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  تأويل قوله تعالى : ( فرجالا أو ركبانا )

                  قال الله جل ثناؤه : ( فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ) فأما قوله : ( فرجالا ) فذلك على الصلاة على الأرض على ما يصلي عليه الخائف وغير الخائف من صلاة الأمن ومن صلاة الخوف على ما بينا في كتابنا هذا في صلاة كل واحد منهما .

                  وأما قوله : ( أو ركبانا ) فإنه - جل وعز - أباح للخائف الراكب أن يصلي راكبا في حال الخوف ، كما يصلي المسافر التطوع في سفره راكبا ، وحيث توجهت به راحلته أو دابته . فإن قال قائل : فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يصل يوم قاتل الأحزاب ، وهو يوم الخندق حتى ذهب الوقت الذي يصلى فيه العصر راكبا وذكر في ذلك ما :

                  435 - حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا شجاع بن الوليد ، قال : حدثنا زائدة بن قدامة ، قال : سمعت عاصما يحدث ، عن زر ، عن علي - رضي الله عنه - ، قال : قاتلنا الأحزاب فشغلونا عن [ ص: 228 ] العصر حتى كربت الشمس أن تغيب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم املأ قلوب الذين شغلونا عن الصلاة الوسطى نارا ، واملأ بيوتهم نارا ، واملأ قبورهم نارا " .

                  قال علي - رضي الله عنه - : كنا نرى أنها صلاة الفجر .

                  436 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو عامر ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن يحيى بن الجزار ، عن علي - رضي الله عنه - ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قعد يوم الخندق على فرضة من فرائض الخندق ، فقال : " شغلونا عن الصلاة حتى كربت الشمس أن تغيب اللهم املأ قلوب الذين شغلونا عن الصلاة الوسطى نارا ، واملأ بيوتهم نارا ، واملأ قبورهم نارا " .

                  437 - حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا معلى بن منصور الرازي ، قال حدثنا أبو عوانة ، عن هلال بن خباب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس - رضي الله عنه - ما ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - غزا غزوة فلم يرفع منها ، حتى مشى بصلاة العصر عن الوقت الذي كان يصليها فيه ، فقال : " اللهم املأ قلوب الذين شغلونا عن الصلاة الوسطى نارا ، واملأ بيوتهم نارا ، واملأ قبورهم نارا " .

                  438 - حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا إسحاق بن منصور السلولي ، قال : حدثنا محمد بن طلحة ، عن زبيد ، عن مرة ، عن عبد الله ، قال : شغل النبي - صلى الله عليه وسلم - المشركون يوم الأحزاب عن صلاة العصر حتى غربت الشمس ، فقال : " شغلونا عن الصلاة الوسطى حشا الله - عز وجل - أجوافهم وقبورهم نارا " .

                  439 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو عامر ، عن محمد بن طلحة ، فذكر بإسناده مثله [ ص: 229 ] .

                  440 - حدثنا علي بن معبد ، وفهد ، قالا : حدثنا علي بن معبد بن شداد ، قال : حدثنا عبد الله بن عمرو ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن عدي بن ثابت ، عن زر ، عن حذيفة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يوم الخندق ، يقول : " شغلونا عن صلاة العصر " ، قال : ولم يصلها يومئذ حتى غابت الشمس ، " ملأ الله قبورهم نارا ، وقلوبهم نارا ، وبيوتهم نارا " .

                  قيل له : كان هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن ينزل الله - عز وجل - عليه ( فرجالا أو ركبانا ) ، وقد بين ذلك أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - .

                  441 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ، عن أبيه ، قال : " حبسنا يوم الخندق حتى كان بعد المغرب بهوى من الليل حتى كفينا ، وذلك قول الله - عز وجل - : ( وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا ) ، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا ، فأقام الظهر فصلاها ، فأحسن صلاتها كما كان يصليها بالأمس ، ثم أمره فأقام العصر فصلاها كذلك . ثم أمره فأقام المغرب فصلاها كذلك " .

                  وذلك قبل أن ينزل الله - عز وجل - في صلاة الخوف : ( فرجالا أو ركبانا ) .


                  442 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو عامر ، وبشر بن عمر الزهراني ، عن ابن أبي ذئب ، فذكر بإسناده مثله .

                  443 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا القعنبي ، قال : قرأت على ابن أبي ذئب ، ثم ذكر بإسناده مثله .

                  ففي هذا الحديث أن نزول قول الله - عز وجل - : ( فرجالا أو ركبانا ) إنما كان بعد يوم الخندق ، فثبت بذلك أن ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما تركه من الصلوات يومئذ ، إنما كان قبل أن يباح لهم ذلك ، لأن حكمها كان يومئذ أن تصلى على الأرض ، ثم أباح الله - عز وجل - للخائف أن يصليها على راحلته ، فعاد حكمها في تأديتها على [ ص: 230 ] الراحلة إلى حكم التطوع الذي يصلى على الراحلة على ما ذكرنا من كيفيته ، ومن إباحة استدبار القبلة فيما تقدم منا في كتابنا هذا .

                  وإنما تكون هذه الصلاة المكتوبة على الراحلة على ما ذكرنا في حال الخوف من النزول ، وكذلك ما أشبهه من الخوف من السباع إذا خيف اقترابها مع النزول .

                  444 - وقد حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب أن مالكا حدثه ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه كان إذا سئل عن صلاة الخوف ، ثم ذكر الذي ذكرناه عن ابن عمر في صلاة الخوف في الباب الذي قبل هذا .

                  قال : وإن كان خوفا هو أشد من ذلك صلوا رجالا قياما على أقدامهم ، أو ركبانا مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها .

                  قال نافع : لا أدري عبد الله بن عمر ، قال ذلك إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا كله على الخوف الذي لا قتال معه ، لقوله - عز وجل - : ( فإن خفتم ) ، فذكر الخوف خاصة دون القتال ، فأما إن كان يقاتل فإنه لا يصلي حتى ينقضي ما هو فيه من القتال ، فإن أدرك وقت الصلاة صلاها ، وإن فاتته قضاها ، لأن القتال عمل تفسد به الصلاة ، وهذا كله قول أبي حنيفة ، وزفر ، وأبي يوسف ، ومحمد .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية