الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  تأويل قوله تعالى : ( فصل لربك وانحر )

                  قال الله - عز وجل - : ( فصل لربك وانحر ) ، وكانت الصلاة والنحر المذكوران في هذه الآية من المتشابه المختلف في المراد به ما هو ؟

                  فذهب غير واحد من أهل العلم إلى أن المراد بالصلاة في هذا : صلاة يوم النحر ، وأن المراد في هذا ما ينحر يوم النحر من الضحايا والهدايا التي يتقرب بها إلى الله - عز وجل - ، ورووا في ذلك ما :

                  320 - حدثنا أحمد بن داود ، قال : حدثنا إسماعيل بن سالم ، عن هشيم ، قال : أخبرنا [ ص: 184 ] الحجاج ، عن عطاء يعني : ابن أبي رباح ، وعطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير " ( فصل لربك وانحر ) قالا : " الصلاة صلاة يوم النحر ، والنحر نحر البدن بمنى " .

                  321 - حدثنا أبو بكرة ، قال حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن " ( فصل لربك وانحر ) قال : " هو النحر " .

                  322 - حدثنا أحمد بن داود ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن سفيان ، عن أبي نجيح ، عن مجاهد " ( وانحر ) قال : " مناحر الإبل بمنى " .

                  وذهب آخرون من أهل العلم إلى أن المراد بالصلاة في هذا : الصلوات ، وإلى أن المراد بالنحر فيه : وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة . ورووا ذلك عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - .

                  323 - حدثنا أبو بكرة ، قال : حدثنا أبو عمرو الضرير ، قال : أخبرنا حماد بن سلمة ، أن عاصما الجحدري أخبرهم ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب ، كرم الله وجهه ، في قوله : ( فصل لربك وانحر ) قال : " وضع يده اليمنى على الساعد الأيسر ، ثم وضعهما على صدره " .

                  324 - حدثنا أبو بكرة ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، قال : حدثنا عاصم الجحدري ، عن عقبة بن صهبان ، عن علي - رضي الله عنه - ، في قوله - عز وجل - : ( فصل لربك وانحر ) ، قال : " وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة " .

                  325 - حدثنا أحمد بن داود ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا عبد الله بن داود ، عن يزيد بن أبي الجعد ، عن عاصم الجحدري ، عن عقبة بن ظهير ، عن علي - رضي الله عنه - ، في قوله : ( فصل لربك وانحر ) قال : " وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة " .

                  ولما اختلفوا في ذلك نظرنا فيه ، فرأينا ما أمر به القرآن يكون على الإيجاب مثل قوله - عز وجل - : ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) ، ومثل قوله : ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) .

                  ويكون على الندب والحض على الخير ، لقوله - عز وجل - : ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) [ ص: 185 ] ، وكقوله : ( وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ) .

                  ويكون على إباحة ما قد كان حظره قبل ذلك ، كقوله - عز وجل - : ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ) ، وكقوله : ( وإذا حللتم فاصطادوا ) .

                  وكأن قوله : ( فصل لربك وانحر ) لا يخلو إما أن يكون معناه على واحد من هذه المعاني إما فريضة ، وإما على الندب والحض على الخير ، وإما على الإباحة ، وكل واحد من هذه المعاني لا يسمى سنة ، ولا اختلاف علمناه بين أهل العلم في أن صلاة يوم النحر سنة ، والنحر فيها أيضا سنة على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم .

                  326 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو داود ، ووهب بن جرير ، قالا : حدثنا شعبة ، عن زبيد الأيامي ، قال : سمعت الشعبي ، يحدث عن البراء بن عازب ، قال : خرج إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أضحى إلى البقيع ، فبدأ فصلى ركعتين ، ثم أقبل علينا بوجهه ، فقال : " أول نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة ، ثم نرجع فننحر ، فمن فعل ذلك فقد وافق سنتنا ، ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم عجله لأهله ، ليس من النسك في شيء " .

                  وإذا كانت صلاة العيد سنة دل ذلك على أنها لم يؤمر بها في الكتاب ، وأن المراد بالآية التي تلونا غير هذا إذ كان ما يؤمر به في الكتاب لا يقال له سنة ، ولما لم يكن في هذه الآية التي تلونا غير هذين التأويلين اللذين ذكرنا علمناه فانتفى أحدهما وثبت الآخر .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية