الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  واختلف أهل العلم فيمن ملك من الورق حليا مما تجب عليه فيه الزكاة لو كان دراهم مضروبة [ ص: 263 ] .

                  فقال قائلون : لا زكاة عليه فيه ، وممن قال ذلك منهم مالك بن أنس ، ومحمد بن إدريس الشافعي .

                  وقد روي ذلك عن عائشة ، وعن عبد الله بن عمر ، وعن جابر بن عبد الله .

                  526 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره ، عن نافع ، عن ابن عمر " أنه كان يحلي بناته وجواريه الذهب ، ثم لا يخرج منه الزكاة " .

                  527 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، أن عائشة رضي الله عنها ، كانت " تلي مال أخيها يتامى في حجرها ، لهن الحلي فلا تخرج منه الزكاة " .

                  528 - حدثنا أبو بكرة ، قال : حدثنا إبراهيم بن يسار الرمادي ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبد الله ، أنه سئل عن الحلي أفيه زكاة ؟ فقال : لا فقال له إسماعيل بن عبد الرحمن بن خالد المخزومي : " وإن كان ألف دينار ؟ فقال : ألف دينار كثير أو كبير " .

                  529 - حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان الثوري ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبد الله ، أنه سئل عن الحلي أفيه زكاة ؟ فقال : لا فقال له رجل : وإن كان ألف دينار ؟ ، فقال : ألف دينار كثير " .

                  وقال قائلون : الزكاة واجبة فيه كما تجب فيه لو كان عينا ، وممن قال بذلك منهم أبو حنيفة ، وزفر ، وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن .

                  وقد روي ذلك عن عمر بن الخطاب ، وابن مسعود .

                  530 - حدثنا أبو بكرة ، قال : حدثنا أبو عمرو الضرير ، قال : أخبرنا سفيان بن عيينة ، [ ص: 264 ] عن مساور الوراق ، عن شعيب بن يسار ، قال : كتب عمر إلى أبي موسى من نساء المؤمنين " فليتهادين بينهن وليزكين حليهن " .

                  531 - حدثنا أبو بكر ، قال : حدثنا أبو داود الطيالسي ، قال : حدثنا هشام بن أبي عبد الله ، عن حماد ، عن إبراهيم ، أن امرأة ابن مسعود ، قالت له " إن لي حليا أفأزكيه ؟ قال : نعم ، قالت : فأعطيه ابن أخي أو ابن أختي ؟ قال : نعم " .

                  وكان حديث إبراهيم هذا عن ابن مسعود ، وإن لم يذكر من بينه وبينه ، عندنا في حكم المتصل عنه وذلك .

                  532 - أن إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا ، قال : حدثنا وهب بن جرير أو بشر بن عمر بن جعفر ، يشك ، قال : حدثنا شعبة ، عن الأعمش ، قال : قلت لإبراهيم : إذا حدثتني فأسند ، قال : " إذا قلت : قال لي عبد الله فهو الذي حدثني .

                  وقد روى سفيان بن سعيد الثوري هذا الحديث عن حماد ، عن إبراهيم ، عن علقمة بن عبد الله ، فوصله .

                  533 - حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ، قال : حدثنا نعيم بن حماد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : حدثنا سفيان الثوري ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله أن امرأته سألت عن الحلي لها ، فقال : " إذا بلغ مائتي درهم ففيه الزكاة " .

                  قالت : أفأضعها في بني أخ لي يتامى في حجري ؟ فقال : " نعم " .

                  وكان هذا القول في القياس أولى القولين عندنا ، لأنا قد رأينا الزكاة واجبة نقر الفضة كهي في الدراهم المضروبة ، وإنما اختلفوا فيها إذا صيغت حليا ، هل تخرج عن حكمها الذي كانت عليه قبل ذلك أو تبقى على ذلك الحكم ؟ .

                  فرأيناهم لا يختلفون فيها إذا صيغت دراهم أنها لا تخرج بذلك عن حكمها الذي كانت عليه قبل أن تصاغ دراهم ، فالقياس على ذلك أن تكون إذا صيغت حليا ، ألا تخرج بذلك عن حكمها الذي كانت عليه قبل أن تصاغ حليا .

                  وقد رأينا ما قد أجمعوا على أن لا زكاة في مصوغه ، أنه لا زكاة على النقر منه ، من [ ص: 265 ] ذلك الحديد ، والنحاس ، لا زكاة في مصوغهما ، ولا في النقر منهما .

                  وفي ثبوت وجوب الزكاة في نقر الفضة دليل على ثبوت وجوبها في مصوغهما حليا ودراهم وغير ذلك .

                  وقد شبه قوم الحلي بالعوامل من الإبل والبقر ، فقالوا : لا تجب في المستعمل من الإبل والبقر الزكاة ، فكذلك لا تجب في الحلي المستعمل الزكاة ، وكان هذا عندنا غلطا من الشبه بين ذلك ، وذلك أن الحلي لم ينتقل بأن صار حليا عن حكم ما كان عليه قبل أن يكون حليا ، بل قد ثبتت أحكامه على ما كانت عليه قبل ذلك . ألا ترى أنه لا يجوز بيعه بجنسه من الذهب والفضة إلا مثلا بمثل ، ولا بغير جنسه منهما إلا يدا بيد .

                  وأما العوامل فإن الزكاة لم تكن واجبة في أصلها كما وجبت في أصل الذهب والفضة ، وإنما وجبت الزكاة فيهما بمعنى طرأ عليها من إسامة ما إليها إياها ، فوجبت الزكاة ما كانت سائمة لعلة الإسامة لها ، لا لها في نفسها ، فإذا بطلت العلة التي وجبت الزكاة فيها من أجلها رجعت إلى حكم أصلها ، وبطلت الزكاة عنها .

                  هذا على قول من لا يوجب في العوامل من الإبل والبقر الزكاة وممن قال بذلك : أبو حنيفة ، وسفيان الثوري ، وزفر ، وأبو يوسف ، ومحمد ، والشافعي .

                  وأما من يوجب في أصل العوامل من الإبل والبقر الزكاة وهم : مالك والليث ومن تابعهما على ذلك ، فيوجبون الزكاة فيها بعد انقطاع الإسامة عنها كما كانت واجبة فيها قبل الإسامة .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية