الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وقد اختلف أهل العلم فيمن صام رمضان في السفر ، فقال بعضهم : لا يجزئه وعليه أن يقضيه في الحضر . ورووا ذلك عن المحرز بن أبي هريرة ، قال : صمت رمضان في السفر ، فلما قدمت أمرني أبي أن أعيده في الحضر .

                  واحتجوا لقولهم هذا بقول الله - عز وجل - : ( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) ، وربما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قوله : " ليس من البر الصيام في السفر " .

                  950 - حدثنا علي بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا محمد بن مصفى ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الأبرش ، قال : حدثنا عبد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ليس من البر الصيام في السفر " . [ ص: 435 ] .

                  951 - حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا روح ، قال : حدثنا شعبة ، وحدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، قال : حدثنا شعبة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن محمد بن عمرو بن حسن ، عن جابر بن عبد الله ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر ، فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه ، " فسأل ما هذا ؟ " فقالوا : صائم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس من البر أن تصوموا في السفر " .

                  952 - حدثنا علي ، قال : حدثنا روح ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : أخبرني ابن شهاب ، عن صفوان بن عبد الله بن صفوان ، أخبره ، عن أم الدرداء ، عن كعب بن عاصم الأشعري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " ليس من البر أن تصوموا في السفر " .

                  953 - حدثنا علي ، قال : حدثنا روح ، قال : حدثنا محمد بن أبي حفصة ، عن ابن شهاب ، عن صفوان ، عن أم الدرداء ، عن كعب بن عاصم ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس من البر الصوم في السفر " .

                  954 - حدثنا محمد بن النعمان السقطي ، قال : حدثنا الحميدي ، قال : حدثنا سفيان ، قال : سمعت الزهري ، يقول : أخبرني صفوان ، عن أم الدرداء ، عن كعب ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله .

                  قال سفيان : وذكر لي أن الزهري كان يقول : ولم أسمعه أنا منه: من امبر إمصيام فمسفر .

                  وقال بعضهم : من صام رمضان في السفر أجزأه ، وكان كمن صامه في الحضر ، وممن قال ذلك أبو حنيفة ، وابن أبي ليلى ، ومالك ، وزفر ، وأبو يوسف ، ومحمد ، والشافعي ، وعامة أهل العلم سوى ما رويناه خلاف ذلك عمن ذكرناه عنه ، وإن كانوا قد اختلفوا في الأفضل من ذلك ما هو ؟ هل هو الصوم أو الإفطار ؟ [ ص: 436 ]

                  فكان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى ، ما احتجوا به عليهم من قول الله عز وجل : ( فعدة من أيام أخر ) ، إن ذلك ليس فيه دليل على ما ذهبوا إليه من ما ذكرناه عنهم ، لأن قوله - عز وجل - : ( فعدة من أيام أخر ) إنما هو على الرخصة منه لهم في ترك الصيام ، في عين الشهر ، وقضائه بعد ذلك في غير الشهر .

                  والدليل على ما ذكرناه من ذلك أنه قال - عز وجل - : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات ) ولم يستثن في ذلك حاضرا من غائب ، ولا مريضا من صحيح ، وعم بذلك المؤمنين جميعا .

                  ثم قال : ( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) فكان هذا خطابا منه لمن دخل في الآية الأولى ممن كتب عليه الصيام ، قال ذلك على أن قوله : ( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) أنه على الرخصة في الإفطار في عين الشهر للمسافرين وللمرضى ، لا على أن صومهما إياه إن يكلفوه غير مجزئ عنهم .

                  وأما ما ذكروه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس من البر الصوم في السفر " ، فلا حجة لهم أيضا في ذلك ، لأنه قد يجوز ليس من البر الصيام في السفر أي : ليس من البر الذي هو أبر البر ، أو أعلى مراتب البر الصوم في السفر ، حتى لا يكون منه بد ، أو حتى يكون الإفطار فيه إثما ، كما لا بد منه في الحضر ، وكما إفطاره في الحضر إثم ، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد صام في السفر فيما رويناه مما تقدم منا .

                  أفيجوز أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد صام صوما ليس ببر ؟ وحاش لله أن يكون كذلك ، ولكن معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " ليس من البر الصيام في السفر " ، على معنى ليس من البر الذي هو أبر البر الصيام في السفر ، لأنه قد يكون الإفطار في السفر للقوة للقاء العدو ولما أشبه ذلك أفضل من الصوم في السفر ، ولكن ذلك عندنا كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان ، والتمرة والتمرتان " ، قالوا فمن المسكين يا رسول الله ؟ قال : " المسكين الذي لا يعرف ، ولا يسأل فيتصدق عليه " .

                  955 - حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا أبو نعيم ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحديث [ ص: 437 ] .

                  956 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثله .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية