الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  ولما كان من مذهب ابن عباس ، وأبي موسى أن الملامسة هي الجماع ، أباح للجنب التيمم إذا كان التيمم مذكورا بعقب الملامسة ، وهذا أبو موسى قد تابع ابن عباس في أن [ ص: 100 ] الملامسة الجماع ، وتابعه في إباحة الجنب التيمم ، وحاج عبد الله بن مسعود بالآية التي في سورة النساء ، وأن الملامسة المذكورة فيها هي الجماع ، فلم يدفعه ابن مسعود عن ذلك ، ولم يكن منعه الجنب من التيمم لخلافه إياه في تأويل الآية ، وإنما كان بالعلة التي اعتل بها ، ولما وقفنا من مذاهب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما ذكرنا ، عقلنا بذلك أن الذين أباحوا التيمم في الجماع عند عدم الماء ، هم الذين جعلوا الملامسة المذكورة في الآية للجماع ، وأن الذين منعوا من التيمم في الجماع عند عدم الماء هم الذين جعلوا الملامسة المذكورة في الآية ما دون الجماع ، وأنهم ذهبوا إلى أن التيمم لما جعل بدلا من الوضوء ، لم يكن بدلا من الغسل ، ثم وجدنا السنة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجنب إذا عدم الماء أنه يتيمم ، وقد روى ذلك عنه عمار بن ياسر وغيره .

                  92 - حدثنا عيسى بن إبراهيم الغافقي ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن أبي إسحاق ، عن ناجية ، عن عمار - رضي الله عنه - ، قال : أصابتني جنابة وليس معي ماء ، فتمعكت كما تتمعك الدابة وأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكرت ذلك له ، فقال : " أما كان يكفيك التيمم " .

                  93 - حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن ناجية بن كعب ، قال : تمارى ابن مسعود ، وعمار في الرجل تصيبه الجنابة ، ولا يجد الماء ، فقال ابن مسعود : لا يصلي حتى يجد الماء ، وقال عمار : كنت في الإبل فأصابتني جنابة ، فلم أقدر على الماء ، فتمعكت كما يتمعك الحمار ، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكرت ذلك له ، فقال : " إنما كان يكفيك من ذلك أن تيمم بالصعيد ، فإذا قدرت على الماء اغتسل " .

                  فوفقنا بذلك على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أباح للجنب التيمم عند عدم الماء من سننه التيمم للجنابة عند عدم الماء ، وفي ثبوت ذلك عنه - صلى الله عليه وسلم - ثبوت قول من جعل الملامسة التي ذكرها الله - عز وجل - للجماع ، وقد سد ذلك أيضا ما قد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حمله أمامة ابنة أبي العاص في الصلاة .

                  94 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا حدثه ، عن عامر بن عبد الله بن [ ص: 101 ] الزبير ، عن عمرو بن سليم الزرقي ، عن أبي قتادة السلمي ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي ابنة أبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس ، فإذا سجد وضعها ، وإذا قام حملها " .

                  95 - حدثنا عبد الملك بن مروان أبو بشر الرقي ، قال : حدثنا حجاج بن محمد ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عامر بن عبد الله بن الزبير ، أن عمرو بن سليم الزرقي أخبره ، أنه سمع أبا قتادة ، يقول : " كان النبي صلى الله عليه وسلم ، يصلي وأمامة ابنة زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي ابنة أبي العاص بن الربيع على رقبته ، إذا ركع وضعها ، وإذا قام من سجوده أخذها فأعادها على رقبته " .

                  96 - حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا خالد بن مخلد القطواني ، قال : حدثنا سليمان بن بلال ، قال : حدثني محمد بن عجلان ، قال : أخبرني عامر بن عبد الله بن الزبير ، وسعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن عمرو بن سليم الزرقي ، عن أبي قتادة الأنصاري ، قال : " رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي وأمامة على رقبته يحملها إذا ركع وضعها ، وإذا قام أعادها " .

                  97 - حدثنا أبو بكرة ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا ابن عجلان ، عن المقبري ، عن عمرو بن سليم ، عن أبي قتادة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله .

                  98 - حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن ابن عجلان ، عن عامر بن عبد الله بن الزبير ، وسعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن عمرو بن سليم ، عن أبي قتادة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثله .

                  99 - حدثنا محمد بن علي البغدادي ، قال : حدثنا خلف بن هشام البزار ، قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، عن أبي سلمة ، عن عبد الله بن الحارث ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يصلي وأمامة ابنة زينب ابنة أبي العاص عنده ، فإذا ركع وضعها ، وإذا قام حملها " . [ ص: 102 ] فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد حمل أمامة في صلاته وهو غير مأمون منها مماسة وجهه أو رأسه وما سوى ذلك من يديه ، لأن من عادات الصبيان جارية على ذلك ، فلو كان ذلك منها ناقضا لطهارته إذا لكان أبعد الناس - صلى الله عليه وسلم - من أن يتعرض في صلاته ما هو غير مأمون على بعض طهارته التي بها تتم صلاته فثبت بما ذكرنا أن الملامسة المذكورة في الآية التي تلونا هي الجماع لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبالدلائل التي ذكرنا عليها .

                  وهذا قول أبي حنيفة وزفر ، وأبي يوسف ، ومحمد بن الحسن رحمهم الله ورضي عنهم بمنه وكرمه .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية