الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وقد اختلف أهل العلم فيمن توفي وعليه صوم ، هل يصام عنه كما يحج عن من توفي وعليه حج ؟ فقال أكثرهم : لا يصام عنه كما لا يصلى عنه ، وممن قال ذلك منهم : أبو حنيفة ، ومالك ، وأبو يوسف ، ومحمد ، والشافعي رحمة الله عليهم .

                  وقال بعضهم : بل يصام عنه كما يحج عنه ، وقد رويت في ذلك روايات فمنها ما :

                  932 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا أصبغ بن الفرج ، قال : حدثني ابن وهب ، قال حدثني عمرو بن الحارث ، عن عبد الله بن أبي جعفر بن الزبير ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " من مات وعليه صيام صام عنه وليه " .

                  ومنها ما :

                  933 - حدثنا الربيع المرادي ، قال : حدثنا أسد ، قال : حدثنا ابن لهيعة ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما ذكرنا .

                  وقد روي عنها في فتياها بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا خلاف ذلك .

                  934 - حدثنا أبو بكر ، قال : حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، وروح بن عبادة ، قال : حدثنا الثوري ، عن سلمة بن كهيل ، عن عمارة بن عمير ، عن مولاة لبني عصيفة ، قالت : " سألت تريد عائشة عن امرأة ماتت وعليها صوم شهر ، فقالت : أطعموا عنها " واللفظ لروح .

                  935 - حدثنا روح بن الفرج ، قال : حدثنا يوسف بن عدي ، قال : حدثنا عبيدة بن حميد ، عن عبد العزيز ، عن عمرة ابنة عبد الرحمن ، قالت : سألت عائشة ، فقلت لها : إن أمي توفيت وعليها رمضان ، أيصلح أن أقضي عنها ؟ ، فقالت : " لا ، ولكن تصدقي عنها مكان كل يوم مسكينا خير من صيامك عنها " . [ ص: 428 ] فهذه عائشة قد أفتت بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا يصام عن الموتى ، وخالفت في ذلك ما رواه عنها عروة بن الزبير ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعقلنا بذلك أنها لم تترك ما قد علمته من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا إلى قول منه آخر نسخ به القول الأول الذي علمته منه .

                  ومما روي في ذلك أن عمران بن موسى الطائي :

                  936 - حدثنا ، قال : حدثنا سليمان بن حرب الراسحي ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن جعفر بن أبي وحشية ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أن امرأة ركبت البحر ، فنذرت : إن لله - عز وجل - إن نجاها منه أن تصوم شهرا فماتت قبل أن تصوم ، فسألت أختها أو بعض أقاربها النبي - صلى الله عليه وسلم - " فأمر أن يصام عنها " .

                  937 - وأن أبا بكرة حدثنا ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا شعبة ، أراه قال : حدثنا سليمان ، قال : حدثنا مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أن امرأة ركبت البحر ، فنذرت أن تصوم شهرا ، فماتت قبل أن تصوم ، فأتت أختها النبي - صلى الله عليه وسلم - " فأمرها أن تصوم عنها " .

                  938 - وأن يحيى بن عثمان حدثنا ، قال : حدثنا بكر بن خلف ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، قال : قرأت على فضيل ، عن أبي جرير ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : إن أمي ماتت وعليها صوم خمسة عشر يوما ، فقال : " أرأيت لو كان على أمك دين كنت قاضيته ؟ " قالت : نعم ، فقال : " اقضوه عنها أو اقضي عنها " .

                  فقد روي هذا عن ابن عباس ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما ذكرنا .

                  وقد روي في فتياه بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا خلاف ذلك .

                  939 - حدثنا يحيى بن عثمان ، قال : حدثنا سوار بن محمد العنبري ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا حجاج الأحول ، قال : حدثنا أيوب بن موسى ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : " لا يصلي أحد عن أحد ، ولا يصوم أحد عن أحد ، ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مد من حنطة " . [ ص: 429 ] .

                  940 - وكتب إلي الحسن بن عبد الأعلى الصنعاني يحدثني عن عبد الرزاق ، أنه حدثه ، عن معمر ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ، قال : سئل ابن عباس عن رجل مات وعليه صيام رمضان ، أو نذر صيام آخر ؟ قال : " يطعم عنه ستون مسكينا " .

                  فهذا ابن عباس قد أفتى بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا يصام عن الموتى ، وخالف في ذلك ما رواه عنه سعيد بن جبير ، وعكرمة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما ذكرنا فعقلنا بذلك أنه لم يترك ما قد علمه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا إلى قول منه - صلى الله عليه وسلم - نسخ به القول الأول الذي علمه منه .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية