الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  ولما ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن حديث ابن عمر أن نزول هذه الآية التي تلونا في هذا المعنى دل ذلك على أن المسافر المصلي للتطوع على راحلته خارج من المخاطبين في تلك الصلاة ، لقول الله - عز وجل - : ( وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ) ، ولم يبين لنا في شيء من هذه الآثار التفرقة في الإيماء بالركوع والسجود ، ولكنا وجدناه في غيرها ، وذلك أن عبيد بن محمد :

                  264 - حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن محمد الشافعي ، قال : حدثنا الحارث بن عمير ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به يومئ إيماء ويجعل السجود أخفض من الركوع " .

                  وهكذا ينبغي للمومئ في هذه الصلاة وفي غيرها من الصلوات التي فرضه فيها الإيماء أن يجعل الإيماء للركوع دون الإيماء للسجود ، ليتبين البدل من كل واحد منهما من البدل من صاحبه ، وفي ذلك دليل أن القعود الذي يكون في الصلاة بدلا من القيام فيها بخلاف القعود الذي هو القعود للتشهد ، فيكون القعود البدل من القيام تربعا ، ويكون القعود للتشهد على ما عليه القعود للتشهد ، وهكذا كان أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد ، يقولون في هذا وأما زفر بن الهذيل فكان عنده أن القعود البدل من القيام كهيئة القعود للتشهد سواء ، والقول في ذلك عندنا القول الأول . وقد روي ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما :

                  265 - حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثني هارون بن عبد الله يعني : الحمال ، قال : حدثنا أبو داود الحفري ، عن حفص ، عن حميد ، عن عبد الله بن شقيق ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : " رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي متربعا " .

                  قال لنا أحمد بن شعيب : لا نعلم أحدا روى هذا الحديث عن حفص غير أبي داود [ ص: 164 ] .

                  266 - وحدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس ، قال : حدثنا هارون بن عبد الله الحمال ، قال : حدثنا أبو داود الحفري ، عن حفص ، قال إسحاق : وهو ابن غياث ، عن حميد ، قال إسحاق وهو الطويل ، عن عبد الله بن شقيق ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : " رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي متربعا " .

                  قال أبو جعفر : وقد روي ذلك أيضا عن أم سلمة ، وعن أم الدرداء من أفعالهما كما :

                  267 - حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا يوسف بن عدي ، قال : حدثنا عباد بن عباد المهلبي ، عن عاصم ، وهشام بن حسان ، عن الحسن ، عن أمه : أنها " رأت أم سلمة رضي الله عنها تصلي متربعة من رمد كان بها " .

                  268 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا المعلى بن الوليد القعقاعي ، قال : حدثنا هانئ بن عبد الرحمن ، قال : قال إبراهيم بن أبي عيلة : " رأيت أم الدرداء تصلي متربعة " .

                  وقد روي عن ابن مسعود في ذلك ما يدل على أن مذهبه فيه كان خلاف التربيع .

                  269 - حدثنا سليمان بن شعيب ، قال : حدثنا الخصيب بن ناصح ، قال : حدثنا عبد العزيز بن مسلم القسملي ، عن حصين ، عن الهيثم بن شهاب ، قال : قال عبد الله : " لأن أجلس على رضفين أحب إلي من أن أتربع في الصلاة " .

                  واختلف أهل العلم في هذه الصلاة على الراحلة بالإيماء للمسافرين في الأمصار ، فكان أبو حنيفة رحمه الله ، يقول : ليس لهم أن يصلوها كذلك إلا في البوادي .

                  وقال أبو يوسف : لهم أن يصلوا كذلك في البوادي والأمصار جميعا ، وقال :

                  270 - حديث أخبرنا حذيفة ، أن يحيى بن سعيد حدثني ، أنه رأى أنس بن مالك " يصلي على راحلته في بعض سكك المدينة " لما سمعت منه هذا القول في ذلك عندما قال [ ص: 165 ] أبو يوسف وما رواه عن أنس بن مالك فيه : لأن دخول المسافرين الأمصار لا يخرجهم من السفر . ألا ترى أنهم يقصرون الصلاة في الأمصار كهم في قصرها في البوادي ، كانوا في سائر ما يفعلون فيها في الأمصار كهم فيما يفعلون فيها في البوادي .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية