الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  ولما كان من أخلاق أهل الحوائط المحمودة منهم إغراء بعض ثمار حوائطهم ، وكان ما يغرونه من ذلك فإنما يقصدون به إلى المساكين الذين يستحقون الزكوات ، كان ذلك محطوطا مما خرص عليهم ، مرفوعا عنهم منه كما حطه أبو خيثمة ، ورفعه عن ابن عمه في خرصه عليه ثمرة حائطه على ما في حديث الفدكي ، وعلى ما في حديث ابن أبي خيثمة في رفعه عن سعد بن أبي سعد في خرصه ، ومثل ذلك ما :

                  725 - روى عمرو بن يحيى المازني ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " لا صدقة في العرية " أي : لأن العرية نفسها صدقة ، فلا صدقة فيما أخرج صدقة .

                  فإن سأل سائل عن العرية ما هي ؟ قيل له : هي العطية وكذلك روي عن زيد بن ثابت .

                  726 - حدثنا أحمد بن داود ، قال : حدثنا محمد بن عوف الزيادي ، قال : أخبرنا حماد بن سلمة ، عن أيوب ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " نهى عن البائع والمبتاع وعن المزابنة " .

                  قال : وقال زيد بن ثابت : رخص في العرايا في النخلة والنخلتين توهبان للرجل فيبيعهما بخرصهما تمرا [ ص: 351 ] .

                  فهذا زيد بن ثابت يخبر أن العرية هي الهبة ، وهو من أهل العرايا ، لأنها كانت للأنصار ، لا نعلمها كانت لغيرهم .

                  وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر منقطع يدل على هذا .

                  727 - حدثنا أبو بكرة ، قال : حدثنا أبو عمرو الضرير ، قال : حدثنا جرير بن حازم ، قال : سمعت قيس بن سعد يحدث ، عن مكحول الشامي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " خففوا في الخرص ، فإن في المال العرية والوصية " .

                  728 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب أنه سئل عن العرايا ، فقال : كان الرجل يطعم أخاه النخلتين والثلاث في النخلة ، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يرخص للذي يطعمهن أن يبيعهن قبل أن يبدو صلاحهن " .

                  وقد مدحت الأنصار بالعرايا ، حتى قيل فيهم ما ذكره أبو عبيدة :


                  وليست بسنهاء ولا رجبية ولكن عرايا في السنين الجوائح

                  أي : أنهم كانوا يعرونها في السنين الجوائح على سبيل الصدقة بها ، وفي العرايا كلام كثير واحتجاجات ليس هذا موضعها .

                  فإن قال قائل : ففي حديث الفدكي من قول أبي خيثمة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - " رفعت له قدر عرية أهله " .

                  قيل له : معناه عندنا والله أعلم ، قدر عرية صدقته التي يتصدق بها من ثمرة حائطه ، لأن ما أضيف إلى أهله إنما هو المراد ، وكذلك ما أضيف إلى آله فهو المراد به ، ألا ترى أن الحديث المروي ، " لقد أوتي أبو موسى من مزامير آل داود " مزمار من مزامير داود ، لأن المزامير إنما كانت لداود صلى الله عليه وسلم ، لا لغيره من آله .

                  ولما كان أهل الحوائط غير ممنوعين من الأكل من ثمارها لأنها قوتهم ، ولا غناء لهم [ ص: 352 ] عنها ، وكان ذلك مما لا يبقى فيها إلى وقت جذاذها فوجب بذلك أن يكون ذلك المقدار محطوطا منها عن أهلها .

                  وجميع ما ذكرنا من هذه الأشياء التي تحط من الخرص ، وإن شاء الخارص قدر لها قدرا في الذي حطه مما يجعله قدر الثمرة على ما في حديث عبد الرحمن بن الأسود ، عن ابن أبي خيثمة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، " إذا خرصتم فدعوا الثلث فدعوا الربع " ، فإن شاء خرصها بكمالها كما خرص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديقة المرأة في حديث أبي حميد الساعدي ،

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية