الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  فإن قال قائل : وكيف يجوز أن يجعل تأويل هذه الآية على ما ذكرتم ، ويجعل فرض الصيام قد لحق من لا يطيق الصيام ، وقد روينا فيمن عجز عن الصلاة ، ولم يطقها على حال ، حتى مات أنه ممن قد زال فرضها عنه ؟ قيل له : الصلاة في هذا لا تشبه الصيام ، لأن الصلاة لم يجعل لها بدل سواها فيرجع من عجز عنها إلى ذلك البدل عنها ، والصوم فقد جعل له بدل وهو الإطعام ، فكان من عجز عن الصوم ، فلم يقدر عليه رجع إلى بدله الذي يقدر عليه وهو الإطعام ، وهكذا كان أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد رحمهم الله يقولون في الشيخ الكبير العاجز عن الصوم ، لا يرجى له عليه قوة في المستأنف : أنه يطعم عن كل يوم مسكينا نصف صاع من بر أو سويق ، أو دقيق ، أو صاعا من تمر ، أو شعير فيما حدثنا سليمان ، عن أبيه ، عن محمد ، عن أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، وعن أبيه ، عن محمد من رأيه مما ذكرنا عنهم .

                  وقد خالفهم في ذلك مخالفون ، منهم مالك رحمه الله كما :

                  922 - حدثنا يونس ، قال : حدثنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره ، أنه بلغه أن أنسا كبر حتى كان لا يقدر على الصيام ، وكان يفتدي .

                  قال مالك : ولا أرى ذلك واجبا على الناس ، وأحب إلي أن يفعله من قوي عليه ، فمن افتدى ، فإنما يطعم كل يوم مدا بمد النبي صلى الله عليه وسلم .

                  فأما الثوري ، والشافعي ، فكان قولهما في ذلك كقول أبي حنيفة .

                  923 - كما حدثنا أبو غسان ، عن أبي النضر ، عن الأشجعي ، قال سفيان : " الشيخ الكبير إذا لم يطق الصيام أطعم عن نفسه " .

                  وكما حكى لنا المزني ، عن الشافعي في مختصره قوله قال : والشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم ، ويقدر على الكفارة يتصدق عن كل يوم بمد من حنطة [ ص: 424 ] .

                  وهو القول الذي حكيناه عن أبي حنيفة ، والثوري ، ومن ذكرناه معهما ، فأحب القولين اللذين ذكرناهما في هذا المعنى إلينا إذا كانوا جميعا قد أمروا بالإطعام في ذلك إما إيجابا ، وإما استحبابا ، ولم يجعلوا ذلك كالصلاة التي يلحق العجز عنها ، فلم يأمروا مكانها ببدل سواها إيجابا ، ولا استحبابا ، وعاد بما ذكرنا حكم الصيام المعجوز عنه الذي يقدر العاجز عنه إلى ما يحج به غيره عنه .

                  وقد سألت امرأة من خثعم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : إن أبي شيخ كبير وقد أدركت فريضة الله - عز وجل - في الحج ، أفيجزئ أن أحج عنه ؟ قال : " حجي عن أبيك " هكذا في حديث ابن الزبير ، وفي حديث علي بن أبي طالب ، أن رجلا من خثعم سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن أبي أدركه الحج وهو شيخ كبير لا يستطيع ركوب الرحل ، والحج عليه مكتوب أفأحج عنه ؟ قال : " نعم ، فاحجج عنه " .

                  وسنذكر ذلك بأسانيده ، وما فيه سوى هذين الحديثين في موضعه من كتاب المناسك من كتاب أحكام القرآن إن شاء الله تعالى .

                  فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد خوطب بأن الحج مكتوب على عاجز يؤديه عنه ، فلم ينكر ذلك على من خاطبه به إذا كان من سنته ، صلى الله عليه وسلم ، الحج عن العاجز ، وكذلك الصيام لما كان من السنة الإطعام عن العاجز عنه ، لم يكن الفرض فيه ساقطا عن العاجز عنه إذا كان ، وإن عجز عنه ، قادرا عن البدل منه وهو الإطعام .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية