الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  فهكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في ما يحدثون به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، منه ما أخذوه منه سماعا ، ومنه ما قد صح عندهم عنه بلاغا - صلى الله عليه وسلم - .

                  ومن ذلك ما روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مما كان ذكره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيمن أدركه الصبح وهو جنب أنه يفطر .

                  428 - حدثنا أبو بكرة ، قال : حدثنا روح ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : أخبرني عمرو ، عن يحيى بن جعدة ، أنه أخبره ، عن عبد الله بن عمرو القاري ، أنه سمع أبا هريرة - رضي الله عنه - ، يقول : " لا ورب هذا البيت ما أنا قلت : من أدرك الصبح وهو جنب فليفطر ولكن محمدا قاله ، ورب هذا البيت ما أنا نهيت عن صوم يوم الجمعة ، ولكن محمدا - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 225 ] نهى عنه إذا أفرد " .

                  وقد كان أبو هريرة - رضي الله عنه - يحكي مثل هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما يسمعه منه ، ولا يذكر من بينه وبينه ، فإذا وقف على ذلك ، قال : حدثني به فلان .

                  429 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره ، عن سمي ، مولى أبي بكر ، أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن ، يقول : كنت أنا وأبي عند عبد مروان بن الحكم وهو أمير المدينة ، فذكر له أن أبا هريرة ، يقول : من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم ، فقال مروان : أقسمت عليك لتذهبن إلى أم المؤمنين عائشة وأم سلمة فتسألهما عن ذلك .

                  فذهب عبد الرحمن وذهبت معه حتى دخلنا على عائشة ، فسلم عليها عبد الرحمن ، ثم قال : يا أم المؤمنين ، إنا كنا عند مروان ، فذكر له أن أبا هريرة ، يقول : من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم ، فقالت عائشة رضي الله عنها : بئس ما قال أبو هريرة يا عبد الرحمن ، ترغب عن ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل ؟ فقال : لا والله .

                  قالت : فأشهد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أنه كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام ، ثم يصوم ذلك اليوم " ، قال : ثم خرجنا حتى دخلنا على أم سلمة فسألها عن ذلك ، فقالت كما قالت عائشة ، فخرجنا حتى جئنا مروان ، فذكر له عبد الرحمن ما قالتا .

                  فقال مروان : أقسمت عليك يا أبا محمد لتركبن دابتي فأتها فلتذهبن إلى أبي هريرة ، فإنه بأرضه بالعقيق ، فلتخبرنه ذلك ، فركب عبد الرحمن وركبت معه حتى أتينا أبا هريرة ، فتحدث معه عبد الرحمن ساعة ، ثم ذكر له ذلك ، فقال أبو هريرة : لا علم لي بذلك ، إنما أخبرنيه مخبر .


                  430 - حدثنا علي بن شبة ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : حدثنا ابن عون ، عن رجاء بن حيوة ، عن يعلى بن عقبة ، قال : أصبحت جنبا وأنا أريد الصوم ، فأتيت أبا هريرة ، فسألته ، فقال لي : أفطر ، فأتيت مروان فسألته وأخبرته بقول أبي هريرة ، فذهب عبد الرحمن بن الحارث إلى عائشة وسألها ، فقالت : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج لصلاة الفجر ورأسه يقطر من جماع ، ثم يصوم ذلك اليوم " .

                  فرجع إلى مروان فأخبره ، فقال : ائت أبا هريرة فأخبره ، فأتاه فأخبره ، فقال : إني لم أسمعه [ ص: 226 ] من النبي صلى الله عليه وسلم ، إنما حدثنيه الفضل عن النبي صلى الله عليه وسلم .


                  فإن قال قائل : هذا قد يحتمل فيما جاؤوا به مطلقا ، فأما حديث أبي هريرة ، عن يوم ذي اليدين ، فإنه قال فيه : " صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتيت حضور تلك الصلاة " .

                  قيل له : ليس في ذلك إثبات حضور تلك الصلاة ، لأنه قد يجوز أن يكون قوله صلى بنا على معنى صلى بالمسلمين الذين هو منهم ، وإن لم يحضر صلاته تلك بهم ، كما قال النزال بن سبرة فيما :

                  431 - حدثنا فهد ، وأبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي ، قالا : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا مسعود ، عن عبد الملك بن ميسرة ، عن النزال بن سبرة ، قال : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا وإياكم كنا ندعى بني عبد مناف ، فأنتم اليوم بنو عبد الله ، ونحن بنو عبد الله ، يعني : لقوم النزال " .

                  ففي هذا قول النزال قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ولم ير النزال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما أراد أي قال لقومنا الذين هو منهم من خاطبه النبي - صلى الله عليه وسلم - بما خاطبه به من ذلك القول .

                  وكذلك قول أبي هريرة : " صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " في حديث ذي اليدين ، عندنا إنما معناه صلى بنا ، صلى بالصحابة الذين هو منهم ممن حضر تلك الصلاة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سواه ، وقد روى حديث ذي اليدين عبد الله بن عباس ، وابن عمر ، وعمران بن حصين .

                  432 - حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى العبسي ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن جابر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس - رضي الله عنه - ما ، قال : " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثلاثا ثم سلم ، فقال له ذو الشمالين : أنقصت الصلاة يا رسول الله ؟ قال وكذلك يا ذا اليدين ؟ قال : نعم ، فركع ركعة وسجد سجدتين " .

                  433 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بالناس ركعتين فسها فسلم ، فقال ذو اليدين ، فذكر مثل حديث أبي هريرة ، وأنه قال : أنقصت الصلاة يا رسول الله ؟ قال : " لا " .

                  قال : فصلى ركعتين أخريين ثم سجد سجدتي السهو ثم سلم " .
                  [ ص: 227 ]

                  434 - حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا معلى بن أسد ، قال : حدثنا وهيب بن خالد ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أبي المهلب ، عن عمران بن الحصين ، قال : " سلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ثلاث ركعات ، فدخل الحجرة مغضبا ، فقام الخرباق رجل بسيط اليدين ، فقال : يا رسول الله ، أقصرت الصلاة أم نسيت ؟ فخرج يجر رداءه فسأل فأخبر ، فصلى الركعة التي كان ترك ، وسلم ثم سجد سجدتين ثم سلم " .

                  فهذا ابن عباس ، وابن عمر ، وعمران بن حصين ، وهم أقدم إسلاما من أبي هريرة ، وقد رووا هذا الحديث ولم يحك واحد منهم أنه شهد تلك الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو هريرة ممن حدث بعدهم ، وكان حضوره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد حضورهم إياه ، وكيف شهد أبو هريرة من صلاته التي تقدمت إسلامه ما لم يشهده من هو أقدم إسلاما منه .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية