الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  واختلفوا في الذهب والورق الموجودين في المعادن ، فقال بعضهم : لا شيء فيما وجد منها حتى يكون من الذهب عشرين مثقالا ، ومن الورق خمس أواق فتجب فيها الزكاة مكانه ، وما زاد على ذلك أخذ منه بحساب ذلك ما دام المعدن نيل ، فإن انقطع ثم جاء بعد ذلك نيل فهو مثل الأول تبدأ فيه الزكاة مكانه كما ابتدئت في الأول .

                  قال : والمعادن بمنزلة الزرع تؤخذ منها الزكاة كما تؤخذ من الزرع إذا حصد ، ولا ينتظر بذلك حتى يحول عليه الحول ، وممن قال بذلك منهم : مالك ، والليث حدثنا يونس ، قال حدثنا ابن وهب ، عن مالك ، والليث بهذا الذي حكيناه عنهما .

                  وقد روي هذا عن الشافعي رحمه الله واحتج أهل هذا المذهب لمذهبهم هذا بحديث رووه في ذلك .

                  661 - حدثنا يحيى بن عثمان ، قال : حدثنا نعيم ، قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد [ ص: 327 ] الأندراوردي ، عن ربيعة بن الحارث بن بلال بن الحارث ، عن أبيه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أخذ من معادن القبلية الصدقة ، وأنه قطع لبلال بن الحارث العقيق أجمع " .

                  فلما كان عمر قال لبلال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يعطك لتحتجبه عن الناس ، ولم يعطك إلا لتعمل .

                  قال : فقطع عمر للناس العقيق .


                  فكان من الحجة عليهم في ذلك أن أصل هذا الحديث كما رووه في إسناده ، ولا في متنه فيما رواه من هو أثبت وأحفظ من الدراوردي .

                  662 - كما حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره ، عن ربيعة ، وغير واحد ، " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقطع لبلال بن الحارث المزني معادن القبلية ، وهي ناحية الفرع ، فتلك المعادن لا تؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم " .

                  فهذا هو أصل هذا الحديث في إسناده وفي متنه ، أما في إسناده فمنقطع غير متجاوز به ربيعة .

                  وأما في متنه فإن المعادن التي كانت تؤخذ منها تلك الصدقة قد كان بلال ملكها بإقطاع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياه إياها ، والحكم في المعادن الموجودة في المواضع المملوكة وفي المواضع التي ليست بمملوكة مختلف عند غير واحد من أهل العلم ، منهم : أبو حنيفة ، في حكمها ، وذلك أنهم كانوا يقولون : كل معدن من معادن الذهب أو الورق وما أشبهها في موضع مملوك فلا شيء على مالكيه فيما وجدوه فيه ، وما كان فيها غير موضع مملوك من الصحاري والبراري ففيما وجد فيها من ذلك الخمس ، قل الوجود فيها أو كثر .

                  حدثنا محمد بن علي ، عن محمد ، عن يعقوب ، عن أبي حنيفة بهذا القول ، وخالفه في ذلك أبو يوسف ، ومحمد ، وسنأتي بقولهما الذي خالفاه إليه في موضعه من هذا الباب إن شاء الله تعالى .

                  فحديث مالك بن أنس ، عن ربيعة موافق لما ذهب إليه أبو حنيفة ، وأما ما في حديث ربيعة هذا من أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو غيره مما خرج من تلك المعادن [ ص: 328 ] الصدقة ، فقد يجوز أن يكون أراد بذلك الصدقة على مقدارها التي تجب فيه على حولها .

                  ألا ترى أنه لم يذكر لنا فيها للمأخوذ منه الصدقة مقدار ، وكان ذلك عندهم جميعا على المقدار التي تجب فيه الصدقة من الأموال سوى أموال المعادن ، فلذلك حكم ذلك في الحول حكم سائر الأموال ، سوى أموال المعادن .

                  وقد وجدنا حكم الفوائد من غير المعادن لا زكاة فيها إلا ببلوغ المقدار المعلوم منها ، وحلول الحول عليها ، والفائدة من المعادن في القياس كذلك ، وليس لأحد أن يدخل في آي الزكوات اللاتي تلونا من كتاب الله - عز وجل - في أول كتابنا شيئا ، إلا بما يجب له إدخاله فيها .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية