الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  تأويل قوله تعالى : ( حافظوا على الصلوات )

                  قال الله - عز وجل - : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) فلم نحتج إلى ذكر الصلاة الوسطى في هذا الموضع أي الصلوات هي ؟ إذ لا حكم في ذلك يحتاج إلى ذكره مع أنا قد بينا المعنى في ذلك ، وذكرنا الروايات فيه في كتاب شرح معاني الآثار .

                  وأما قوله : ( وقوموا لله قانتين ) فهو من المتشابه الذي يحتاج إلى علم المراد به ما هو ؟ وذلك أن القنوت قد جرى في كتاب الله تعالى على لسانه - صلى الله عليه وسلم - على معاني مختلفة .

                  فمنها قول الله - عز وجل - لأمهات المؤمنين : ( ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا ) فذلك في معنى قوله : " ومن يطع منكن الله ورسوله " .

                  ومن ذلك قوله في كتابه : ( يا مريم اقنتي لربك ) على ظاهر معناه القيام في الصلاة ، [ ص: 212 ] لأنه مع الركوع والسجود اللذين يكونان في الصلاة .

                  ومن ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفضل الصلاة طول القنوت " .

                  395 - حدثناه علي بن معبد ، قال : حدثنا شجاع بن الوليد ، قال : حدثنا سليمان بن مهران ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

                  396 - وحدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

                  397 - حدثناه علي بن معبد ، قال : حدثنا حجاج بن محمد ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عثمان بن أبي سليمان ، عن علي الأودي ، عن عبيد بن عمير ، عن عبد الله بن حبشي الحنفي ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                  فلما احتمل القنوت في الآية التي تلونا ما ذكرنا ، ولم نجد في كتاب الله - عز وجل - ما يدلنا على المراد به ، طلبناه في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                  398 - فحدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، وحدثنا حسين بن نصر ، قال : سمعت يزيد بن هارون ، ثم اجتمعا ، فقالا : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن الحارث بن شبيل ، عن أبي عمرو الشيباني ، عن زيد بن أرقم ، قال : كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ) ، فأمرنا بالسكوت .

                  ففي هذا الحديث ما يدل على أن المراد بالقنوت في الآية التي تلونا النهي عن الكلام الذي كانوا يتكلمون به في الصلاة لحوائجهم ولما هو بهم ، من أمورهم .

                  399 - كما حدثنا أبو بكرة ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، قال : حدثنا عاصم ، عن أبي وائل ، قال : قال عبد الله : كنا نتكلم في الصلاة ونأمر بالحاجة ، ونقول : السلام على الله ، وعلى جبريل ، وعلى ميكائيل ، وكل عبد صالح نعلم اسمه في السماء والأرض ، " . [ ص: 213 ] فقدمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - من الحبشة ، وهو يصلي ، فسلمت عليه فلم يرد ، فأخذني ما قدم وما حدث .

                  فلما قضى صلاته صلى الله عليه وسلم ، قلت : يا رسول الله ، نزل في شيء ؟ قال : " لا ، ولكن الله - عز وجل - يحدث من أمره ما يشاء " .


                  400 - وكما حدثنا يحيى بن إسماعيل المزني ، قال : حدثنا الشافعي ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عاصم ، عن أبي وائل ، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، قال : " كنا نسلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في الصلاة قبل أن نأتي أرض الحبشة فيرد علينا وهو في الصلاة ، فلما رجعنا من أرض الحبشة أتيته لأسلم عليه فوجدته يصلي ، فسلمت عليه فلم يرد علي .

                  قال : فأخذني ما قرب وما بعد ، فجلست حتى إذا قضى الصلاة ، قال : إن الله - عز وجل - يحدث من أمره ما يشاء ، وإن مما أحدث أنه قضى ألا تتكلموا في الصلاة " .


                  ففي قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابن مسعود : " وإن مما أحدث أنه قضى ألا تتكلموا في الصلاة دليل عندنا ، والله أعلم .

                  إن الذي أحدث من ذلك هو مما أنزله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالآية التي تلونا على ما في حديث زيد بن أرقم الذي روينا ، لأن زيدا قد أخبر أن سبب النهي نزول تلك الآية عليه - صلى الله عليه وسلم - .

                  ولما ثبت نسخ الكلام في الصلاة بعد أن كان مباحا فيها ، ثبت أنه لا يصلح أن نتكلم في الصلاة بذلك الكلام المنسوخ منها ، وأن يكون المتكلم به فيها قاطعا لها وخارجا منها ، وأن يستوي في ذلك العمد والسهو جميعا كما يستويان فيمن صلاها قبل الوقت الذي أمرنا بالصلاة فيه متعمدا أو ساهيا ، وكما يستويان فيمن صلاها على غير طهارة متعمدا أو ساهيا وكما يستويان فيمن أحدث فيها حدثا من الأحداث التي تقطعها متعمدا أو ساهيا .

                  هكذا كان أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد يقولون في الكلام وفي الصلاة المنسوخ منها إنه يقطعها من المتكلم إذا كان ساهيا كما يقطعها منه لو كان متعمدا ، غير السلام منها على السهو في الموضع الذي لو كان السلام فيه على العمد قطع الصلاة مثل أن يسلم من اثنين ساهيا ، فإنه عندهم غير قاطع لها .

                  وقد خالفهم في ذلك مخالفون ، فقالوا : يقطعها السلام على السهو كما يقطعها لو كان على العمد . وهذا هو القياس عندنا للمعاني التي قدمنا ذكرها في استواء حكم العمد والسهو جميعا فيها [ ص: 214 ] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية