الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  ولما وجب أن تكون في الأشياء المكيلات بالأوساق الزكاة التي ذكرنا ، ووجدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد روي عنه في إيجاب الصدقة في العسل ما :

                  706 - حدثنا يونس ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : حدثني يحيى بن عبد الله بن سالم ، عن عبد الرحمن المخزومي ، قال أحمد يعني : عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، " أن بني شبابة بطن من فهم ، كانوا يؤدون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نحل كان عليهم العشر ، من كل عشر قرب قربة ، وكان يحمي لهم واديين لهم ، وكانوا يؤدون إلى عمر بن الخطاب ما كانوا يؤدون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإلى أبي بكر وحمى لهم وادييهم " .

                  وقد روي عن عمر في ذلك [ ص: 342 ] .

                  707 - ما حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمر الدمشقي ، قال : حدثنا يحيى بن صالح الوحاظي ، قال : حدثنا عبد العزيز الدراوردي ، عن الحارث بن أبي ذباب ، عن منير بن عبد الله ، عن أبيه ، عن سعد بن أبي ذباب ، قال : أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلمت وبايعته ، فاستعملني على قومي ، وأبو بكر من بعده ، وكنت آخذ منهم صدقاتهم ، فطلبت منهم صدقة العسل ، وقلت : إنه لا خير في مال لا صدقة فيه ، فأبوا وذكروا ذلك لعمر فقال : " خذ منه عشره " فقلت : أين أجعله ؟ قال : " اجعله في بيت المال " .

                  708 - حدثنا أبو زرعة ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة ، قال : حدثنا صفوان بن عيسى ، عن الحارث بن أبي ذباب ، عن منير بن عبيد الله ، عن أبيه ، عن سعد بن أبي ذباب ، قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبايعته فذكر قصته ، ثم قال : أتيت عمر بن الخطاب ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، ما ترى في العسل ؟ فقال : " خذ منه العشر " فقلت : أين أضعه ؟ فقال : " ضعه في بيت المال " ؟ .

                  وروي عن جماعة من التابعين فمن ذلك ما :

                  709 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : " بلغني في العسل العشور .

                  710 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن يحيى بن سعيد وربيعة بذلك .

                  وقال يحيى : إنه سمع من أدرك يقول ذلك ، فبذلك مضت السنة .

                  فلما روي إيجاب العشر في العسل وهو مما لا يكال بالأوساق على ما قد روينا ، دل ذلك أن ما يدخله الوسق من الأشياء المكيلات تجب فيه الزكاة ، وأنه يعتبر بما يكال به ، كما يعتبر بما يكال بالأوساق بها إذا كان يكال بها ، وإن ذلك زائد على ما في حديث يحيى بن عمارة الذي روينا .

                  وقد كان أبو يوسف رحمه الله ، يقول مرة : إن في العسل العشر ، وإنه يعتبر فيه القرب ، فيجعل في كل عشر قرب منه قربة ، ولا يوجب الصدقة فيه إذا قصر عن عشر قرب ، ولم يرو عنه في مقدار القرب شيئا حدثنا سليمان ، عن أبيه ، أن أبا يوسف أملى عليهم في ذلك أنه ترد قيمته إلى قيمة خمسة أوسق من أدنى الأشياء التي تدخلها الأوساق وتجب فيها الزكاة ، فإن بلغتها كانت فيه الزكاة ، وإلا فلا زكاة فيه [ ص: 343 ] .

                  حدثنا سليمان ، عن أبيه ، أن أبا عبد الله محمد بن الحسن أملى عليهم في ذلك ، أنه لما كان العسل معتبرا بالأفراق كما أن الحنطة وما أشبهها معتبرة بالأوساق ، فكان لا صدقة فيها حتى تبلغ خمسة أوساق ، كان لا صدقة في العسل حتى يبلغ خمسة أفراق .

                  حدثنا أبو حازم القاضي ، قال : حدثنا بكر بن محمد العمي ، وعبد الرحمن بن نائل ، عن محمد بن سماعة ، أن أبا يوسف أملى عليهم القول الذي ذكرناه ، عن سليمان ، عن أبيه ، عن أبي يوسف في تقويم العسل بأدنى الأصناف من الحبوب .

                  قال : فذكرناه لمحمد ، فقال : ليس هذا بقول ، لأن هذا يختلف في الأزمنة والبلدان ، وفي ارتفاع القيم واتضاعها ، وليس هكذا حكم الزكوات المتفق عليها .

                  فقلنا له : فما تقول أنت ؟ فأطرق مليا ، ثم قال : رأيت العسل يعتبر في بدنه بما دون الأفراق ، ثم يتناهى به إلى الأفراق ، فيقال : فرقان من عسل أو ما سوى من الأفراق من العسل ، وكانت الحنطة هكذا تعتبر بالمد ، ثم بالصاع ، ثم القفيز ، حتى يتناهى بها إلى الوسق ، ثم يبنى بالأوساق ، فيقال : وسقان من حنطة ، أو كذا وكذا وسقا من حنطة ، وإن موضع الفرق من العسل كموضع الوسق من الحنطة ، وكما كان لا صدقة في الحنطة حتى تكون خمسة أوساق ، كان كذلك لا صدقة في العسل حتى يكون خمسة أفراق ، ثم بنى محمد بتباين هذا الباب على هذا المعنى ، فقال : وكذلك القطن يعتبر ، فيقال : أسياد ، ثم يقال : رطل ، ثم يقال : من ، ثم يقال : حمل ، فتكون تلك النهاية فيه ، ثم يبنى بالأحمال ، فيقال : حملان من قطن ، وكذا وكذا حمل من قطن ، فكما كان لا صدقة في الحنطة حتى تكون خمسة أوساق ، كان لا صدقة في القطن حتى يكون خمسة أحمال ، والحمل ثلاثمائة من بالعراقي .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية