الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  واختلفوا في المعتكف هل يكون له أن يتشاغل وهو في معتكفه بما ليس من أسباب الاعتكاف من الشراء ، والبيع ، والحديث بسائر أنواع الحديث التي لا آثام فيها ؟

                  فأطلق بعضهم له ذلك ، وممن قال ذلك أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد ، فيما حدثنا سليمان ، عن أبيه ، عن محمد ، عن أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، وعن أبيه ، عن محمد بذلك .

                  وكرهه بعضهم وقال : المعتكف يشتغل باعتكافه ، لا يعرض لغيره مما يشغل به نفسه من التجارات وغيرها وممن قال ذلك مالك . حدثنا بذلك يونس ، عن ابن وهب ، عن مالك .

                  ولما اختلفوا بذلك هذا الاختلاف الذي ذكرنا ، نظرنا هل روي في ذلك شيء يدل ما الواجب الذي اختلفوا فيه من ذلك ؟ [ ص: 477 ] .

                  فأما أبو حنيفة فاحتج بذلك بما حدثنا سليمان ، عن أبيه ، عن محمد ، عن أبي يوسف ، عن أبي حنيفة بنهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصمت .

                  1087 - حدثنا محمد بن عبد الحكم ، قال : حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ، عن أبي حنيفة ، عن عدي بن ثابت ، عن أبي حازم ، عن أبي الشعثاء ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه " نهى عن الوصال ، وعن صوم الصمت " .

                  وقد وجدنا نحن من بعد هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المعنى الذي ذكرنا ، ما يدل على الوجه فيه وكيف هو ؟ وذلك .

                  1088 - أن فهدا حدثنا ، قال : حدثنا أبو اليمان ، قال : أخبرنا شعيب بن أبي حمزة ، عن الزهري ، قال : حدثني علي بن الحسن ، أن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، أخبرته : أنها جاءت النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان ، فتحدثت عنده ساعة ، ثم قامت تنقلب ، وقام النبي - صلى الله عليه وسلم - معها يقلبها ، حتى إذا بلغت باب المسجد الذي عند باب أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بهما رجلان من الأنصار ، فسلما على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم بعدا .

                  فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم : " على رسلكما إنما هي صفية بنت حيي " ، فقالا : سبحان الله يا رسول الله ، وكبر ذلك عليهما .

                  فقال : النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم ، إني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا " .


                  1089 - حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا عبد الغفار بن عبد الله ، عن صالح ، عن الزهري ، عن علي بن حسين ، عن صفية ابنة حيي : أنها خرجت تزور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو معتكف في المسجد ، فتحدثت عنده ساعة من العشاء ، ثم خرج حتى إذا كان عند باب أم سلمة أو باب عائشة مر رجلان من الأنصار ، فسلما .

                  فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " على رسلكما إنما هي صفية ابنة حيي " فسبحا وأعظما ذلك ، فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا " .
                  [ ص: 478 ] .

                  فوجدنا في هذا الحديث تشاغل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمحادثة صفية ، وبتشييعه إياها إلى باب المسجد وليسا من الاعتكاف ، وهو حينئذ معتكف .

                  فعقلنا بذلك أنه لا بأس على المعتكف أن يتحدث ، وأن يفعل في اعتكافه ما ليس بمحرم عليه ، حرمته في نفسه ، ولا بسبب تحريم الاعتكاف إياه عليه .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية