الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وقال بهذا القول الذي ذكرنا من نفي الاعتكاف بلا صيام : سعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير .

                  1085 - حدثنا الربيع ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : سمعت سعيدا ، يقول : " من اعتكف فعليه الصيام ، وإن لم يوجب على نفسه صياما " .

                  1086 - حدثنا يونس ، قال : حدثنا أنس بن عياض ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : " المعتكف عليه الصوم ، ولا يكون إلا بصوم " .

                  ولما اختلفوا في ذلك ، ولم نجد في كتاب الله عز وجل ما يطلق الاعتكاف بغير صوم ، بل وجدنا فيه ما هو أقرب إلى إيجاب الصوم في الاعتكاف من إطلاق الاعتكاف بلا صوم ، وهو قوله عز وجل : ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ) ، وكان الاعتكاف الذي ذكره هاهنا قد ذكر معه الصوم ، ولم نجد في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إطلاقه بلا صوم ، إلا ما تعلق به من ذكرنا من حديث ابن عيينة ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر في إطلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر اعتكافه ليلة في المسجد الحرام ، وقد ذكرنا من خالف ابن عيينة في ذلك ، عن أيوب ، ومن خالف أيوب في ذلك ، عن نافع ، وذكرهما أن سؤال عمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما كان على اعتكاف يوم ، لا على اعتكاف ليلة ، ولم نجد في أقوال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إطلاق ذلك بلا صوم ، إلا ما رويناه عن أبي سهل بن مالك ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، وروينا مع ذلك عن عطاء ، ومجاهد ، وأبي فاختة ، عن ابن عباس خلاف ذلك ، فكان ثلاثة أولى بالحفظ من واحد .

                  ولم نجد في النظر ما يطلق ذلك ، غير أن بعضهم قد كان يحتج في ذلك ، فيقول : لما كان الاعتكاف يكون في الليل الذي لا صوم فيه ، كما يكون في النهار الذي فيه الصوم ثبت بذلك أن الاعتكاف لو كان إنما أطلق في الصوم لخرج منه المعتكف بخروجه من الصوم ، فدخل عليه في ذلك ، أنا وجدنا الاعتكاف لم يطلق للرجال إلا في المساجد ، ولم يطلق [ ص: 476 ] لهم فيما سواها من الطرقات والمنازل ، ورأينا المعتكف قد يخرج من المسجد للغائط وللبول إلى المكان الذي ليس من مواطن الاعتكاف ، فلا يخرج بذلك من الاعتكاف ، إذ كان فيهما جميعا معتقدا للاعتكاف غير تارك له ، وإذا كان ما صار إليه من الليل الذي لا صوم فيه ، ومن موطن الغائط والبول الذي لا اعتكاف فيه مما لا بد له منه ، ولم نجد في القياس ما يوجب في ذلك غير أنا وجدنا بعضهم قد كان يدعي القياس في ذلك ويقول : رأيت مواطن الحج كعرفة ، وهي ليس للإقامة فيها حكم ، إلا أن يكون المقيم فيه في حرمة شيء ، ولا حرمة نجدها تكون عليه إلا الصوم ، فدخل عليه في ذلك أنه في حرمة ، وهي الاعتكاف كما لا يحتاج المقيم في مواطن الحج في حرمة الحج .

                  ثم وجدنا المطالبة بعدنا فيه لكل واحد من الفريقين على صاحبه في إيجاب الاعتكاف بالصيام ، أو في إطلاق الاعتكاف بلا صيام ، ولم نجد لذلك مثلا فنعطفه عليه قياسا .

                  ووفقنا بما ذكرنا على أن هذا المعنى لا يوصل إليه إلا بالتوقيف ، ووجدنا عن علي ، وابن عمر ، وعائشة - رضي الله عنهم - ، وعن ثلاثة عن ابن عباس : أن الاعتكاف لا يكون إلا بصوم ، أثبتنا بذلك الصوم في الاعتكاف ، ولم يطلق لأحد اعتكافا إلا في صوم .

                  فإن قال قائل : فقد أطلقتم له الاعتكاف في رمضان الذي قد وجب عليه صومه بغير الاعتكاف .

                  قيل له : إنا لم نقل : إن الاعتكاف لا يجب إلا بوجوب الصوم له ، إنما قلنا : لا اعتكاف إلا في صوم ، فمن اعتكف وهو كذلك كان معتكفا ، ومن اعتكف وليس كذلك لم يكن معتكفا ، وهكذا كان أبو حنيفة ، ومالك ، وزفر ، وأبو يوسف يقولونه في هذا حتى كانوا يقولون : لو أصبح رجل يوما صائما ، ثم أوجب الاعتكاف على نفسه يومه ودخل معتكفه ، فأقام فيه كذلك حتى غابت الشمس كان معتكفا .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية