الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وقد كان محمد بن الحسن ، قال : في كتاب سيره الكبير في رجل أوصى بثلث ماله في سبيل الله : إن الوصية أن يجعل ذلك في الحاج المنقطع بهم ، ولم يحك خلافا بينه وبين أحد من أصحابه .

                  وقد روي عن أبي يوسف خلاف هذا القول وهو أن سليمان حدثنا ، عن أبيه ، عن أبي يوسف ، أنه سئل عن ذلك ، فقال : أهل سبيل الله - عز وجل - هم الغزاة ، والذي قال محمد في هذا أحب إلينا مما قاله أبو يوسف ، لموافقته ابن عمر ، ولما روي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                  777 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، عن شعبة ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، قال : أرسل مروان إلى أم معقل الأشجعية ، فسألها عن هذا الحديث ، فحدثته أن زوجها جعل ناضحه في سبيل الله ، وأرادت العمرة ، فسألت زوجها الناضح ، فأبى ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فأمره أن يعطيها ، وقال : " إن الحج والعمرة من سبيل الله - عز وجل - " .

                  778 - حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا المقدمي ، قال : حدثنا عمر بن علي ، عن موسى بن عقبة ، قال : حدثني عيسى بن معقل ، عن جدته أم معقل ، قالت : قدمنا المدينة فوضع فينا الجدري ، فهلك أبو معقل وترك بعيرا ، فجعله في سبيل الله - عز وجل - ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " اركبي بعيرك فإن الحج من سبيل الله - عز وجل - " .

                  779 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا عمر بن حفص بن غياث ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا المختار بن فلفل ، قال : حدثني طلق بن حبيب البصري ، أن أبا طليق حدثه ، أن امرأته أم طليق ابنه ، فقالت له : قد حضر الحج يا أبا طليق ، وكان له جمل وناقة ، يحج على الناقة ويغزو على [ ص: 371 ] الجمل ، فسألته أن يعطيها الجمل فتحج عليه ، فقال : ألم تعلمي أني حبسته في سبيل الله - عز وجل - ، فقالت : إن الحج من سبيل الله ، أعطنيه يرحمك الله ، فقال : ما أريد أن أعطيك ، قالت : فأعطني ناقتك وحج أنت على الجمل ، فقال : لا أوثرك بها على نفسي ، فقالت : فأعطني نفقتك ، قال : ما عندي فضل عني وعن عيالي ، ما أخرج به وما أترك لكم ، قالت : لو أعطيتني منه أخلفه الله .

                  قال : فلما أتيت عليها ، قالت : فإذا أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقرئه مني السلام وأخبره بالذي قلت لك .

                  قال : فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقرأته منها السلام ، وأخبرته بالذي قالت أم طليق ، فقال : " لو أعطيتها الجمل كان في سبيل الله ، ولو أعطيتها ناقتك كانت وكنت في سبيل الله ، ولو أعطيتها من نفقتك أخلفها الله - عز وجل - " .

                  قال : وإنها تسألك يا رسول الله ما يعدل الحج ؟ ، قال : " عمرة في رمضان " .


                  فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جعل الحج من سبيل الله ، وأجاز صرف ما جعل الله - عز وجل - في سبيل الله إليه ، فثبت بذلك ما قلنا .

                  وأما قوله : ( وابن السبيل ) فهم الغائبون عن أموالهم الذين لا يصلون إليها لبعد المسافة بينهم وبينها ، حتى تلحقهم الحاجة إلى الصدقة ، فالصدقة لهم حينئذ مباحة ، وهم في حكم الفقراء الذين لا أموال لهم في جميع ما ذكرنا حتى يصلوا إلى أموالهم ، وهذا مما لا اختلاف فيه بين أهل العلم علمناه .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية