الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وقول أهل العلم جميعا : أن أول الصيام من طلوع الفجر وأن آخره عند غروب الشمس . وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب ما يوافق الآثار الأول .

                  1020 - حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا أبو نعيم ، والخضر بن محمد بن شجاع ، قالا : [ ص: 454 ] حدثنا ملازم بن عمر ، قال : حدثنا عبد الله بن بدر السحيمي ، قال : حدثني قيس بن طلق ، قال : حدثني أبي ، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد ، كلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر ، وأشار بيده وأعرضها " .

                  وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا المعنى ما :

                  1021 - قد حدثنا يزيد بن سارة ، قال : حدثنا القعنبي ، قال : حدثنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم " .

                  1022 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا حدثه ، عن الزهري ، عن سالم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله ، ولم يذكر ابن عمر .

                  1023 - حدثنا الربيع المرادي ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : حدثني يونس ، والليث ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، عن ابن عمر ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول ، ثم ذكر مثله .

                  1024 - حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا أبو داود الطيالسي ، قال : حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله .

                  1025 - حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا الحكم بن نافع المهراني ، قال : أخبرنا شعيب بن أبي حمزة ، عن الزهري ، قال : قال سالم : سمعت ابن عمر ، يقول ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر مثله .

                  1026 - حدثنا الحسن بن عبد الله بن منصور البالسي ، قال : حدثنا محمد بن كثير ، عن [ ص: 455 ] الأوزاعي ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

                  1027 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله .

                  ففي حديث ابن عمر هذا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد كان منعهم من الأكل والشرب ، اللذين يحرمهما للصيام بنداء ابن أم مكتوم .

                  1028 - حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا مسدد بن مسرهد ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عبيد الله بن عمر ، عن القاسم ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن بلالا ينادي بليل ، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم " .

                  قالت : ولم يكن بينهما إلا مقدار ما يصعد هذا وينزل هذا .


                  ففي هذا الحديث قرب أذان ابن أم مكتوم من أذان بلال الذي كان يؤذنه في الليل .

                  1029 - حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا عمرو بن عون الواسطي ، قال : حدثنا هشيم ، عن منصور بن زاذان ، عن حبيب بن عبد الرحمن ، عن عمته أنيسة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا نداء بلال " .

                  1030 - حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا روح ، قال : حدثنا شعبة ، قال : سمعت حبيب بن عبد الرحمن يحدث ، عن عمته أنيسة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " إن بلالا أو ابن أم مكتوم ينادي بليل ، فكلوا واشربوا حتى ينادي بلال أو ابن أم مكتوم " .

                  فكان إذا نزل هذا وأراد هذا أن يصعد تعلقوا به وقالوا : كما أنت حتى تتسحر .

                  1031 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا وهب ، قال : حدثنا شعبة ، عن حبيب ، عن عمته أنيسة ، وكانت قد حجت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله [ ص: 456 ] .

                  وزاد : لم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا .

                  فهذا كحديث عائشة الذي رويناه قبله . وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا المعنى .

                  1032 - حدثنا عبد الملك بن مروان ، وعلي بن معبد ، قالا : حدثنا شجاع بن الوليد ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، عن ابن مسعود ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره ، فإنه ينادي أو يؤذن ليرجع غائبكم أو لينتبه نائمكم " .

                  وقال : " ليس الفجر أو الصبح هكذا وهكذا وجمع أصبعيه وفرقهما " .

                  1033 - حدثنا محمد بن عمرو بن يونس ، قال : حدثنا أسباط بن محمد ، عن سليمان التيمي ، فذكر بإسناده مثله .

                  1034 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا أبو غسان ، قال : حدثنا زهير بن معاوية ، قال : حدثنا سليمان ، فذكر بإسناده مثله غير أنه قال : " وليس الفجر أو الصبح هكذا ، ورفع زهير يده حتى يقول : هكذا ، ومد زهير يده عرضا .

                  1035 - حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا شعبة ، قال : سمعت سمرة بن جندب ، يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " لا يغرنكم نداء بلال ، ولا هذا البياض حتى يبدو الفجر أو ينفجر الفجر " .

                  1036 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا وهب ، قال : حدثنا شعبة ، عن سوادة ، عن سمرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله .

                  ففي هذه الآثار التي روينا أن المراعى بالصيام هو طلوع الفجر ، وأنه الذي يحرم به الطعام والشراب على الصائم ، وذلك موافق لقول الله عز وجل : ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ) [ ص: 457 ] .

                  فهذه آية محكمة ، وهذه آثار صحيحة ، ولا نرى والله أعلم أن حديث حذيفة الذي رويناه في صدر هذا الكتاب إلا متقدما لها ، أو منسوخا بها في أشياء مختلفة زيادات فيما تقدم من كتاب الصيام وجدناها في حديث واحد .

                  1037 - حدثنا بكار ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا المسعودي ، عن عمرو بن مرة ، عن ابن أبي ليلى ، عن معاذ بن جبل ، قال : " أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال ، والصيام ثلاثة أحوال ، فأما أحوال الصيام ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم المدينة ، فصام من كل شهر ثلاثة أيام ، وصام يوم عاشوراء ، فصام هكذا ستة عشر يوما أو سبعة عشر شهرا ، ثم إن الله تبارك وتعالى أنزل عليه : ( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ) إلى قوله : ( فمن تطوع خيرا فهو خير له ) .

                  فكان من شاء صام ، ومن شاء أطعم مسكينا ، وأجزأ ذلك عنه حتى أنزل - عز وجل - : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ) إلى قوله : ( فليصمه ) وإلى قوله : ( ولا يريد بكم العسر ) ففرضه الله - عز وجل - ، وأثبت صيامه على الصحيح المقيم ، ورخص فيه للمريض وللمسافر ، وثبت الطعام للشيخ الذي لا يستطيع صيامه " .

                  وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ، فإذا ناموا امتنعوا من ذلك ، فجاء رجل يقال له صرمة قد ظل يومه يعمل ، فجاء صلاة العشاء وضع رأسه ، فنام قبل أن يطعم ، فأصبح صائما ، فرآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من آخر النهار وقد أجهد ، فقال : " إني أراك قد أجهدت " ، فقال : يا رسول الله ، ظللت يومي أعمل ، فجئت صلاة العشاء ، فنمت قبل أن أطعم .

                  وجاء عمر وقد أصاب من النساء فنزلت هذه الآية : ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) إلى قوله - عز وجل - : ( من الخيط الأسود من الفجر ) .


                  ففي هذا الحديث غير وجه من الفقه فيما قد تقدم كلامنا فيه من كتابنا ، وكرهنا أن نقطع هذا الحديث فنجعل كل معنى منه في موضعه من كتابنا هذا ، فأتينا به على وجهه هاهنا والله الموفق .

                  آخر الصيام والحمد لله وحده وأول الاعتكاف [ ص: 458 ] [ ص: 459 ] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية