الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وقال بعضهم : لم يرد بهذه الآية إلا الشيخ الكبير ، والعجوز الكبير المطيقان للصوم ، فرخص لهما في الإفطار تخفيفا عنهما ، وجعل عليهما أن يطعما مكان ذلك الصوم ، الذي يفطرانه ، وأن يجعلا في ذلك كمن سواهما من الشباب والأصحاء . ورووا ذلك عن ابن عباس : [ ص: 418 ] .

                  905 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا روح ، قال : حدثنا ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن عزرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : كان رخص للشيخ الكبير والعجوز الكبير في ذلك وهما يطيقان الصوم ، أن يفطرا إن شاءا ، وأن يطعما عن كل يوم مسكينا ولا قضاء عليهما ، ثم نسخ ذلك بهذه الآية : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) " فثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة والمرضع إذا خافتا أفطرتا ، وأطعمتا عن كل يوم مسكينا .

                  906 - حدثنا أحمد بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن عروة ، عن سعيد ، عن ابن عباس ، مثله ، وزاد : " ولا قضاء عليهما .

                  وكان بعضهم يقرؤها : وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين على معنى : يطوقونه ولا يطيقونه .

                  907 - حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا روح ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : حدثنا محمد بن عباد بن جعفر ، عن أبي عمرو ، مولى عائشة ، أن عائشة رضي الله عنها ، كانت تقرأ : يطوقونه .

                  908 - حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا روح ، قال : حدثنا زكريا بن إسحاق ، قال : حدثنا عمرو بن دينار ، عن عطاء ، أنه سمع ابن عباس ، يقول : وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين .

                  قال ابن عباس : " ليست بمنسوخة ، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما ، فيطعمان مكان كل يوم مسكينا " .

                  909 - حدثنا أبو شريح ، قال : حدثنا محمد بن زكريا ، قال : حدثنا الفريابي ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، أنه يقرأ هذه الآية : وعلى الذين يطوقونه ، قال : " هو الشيخ الكبير يطعم عنه نصف صاع لكل يوم " .

                  فكان معنى يطوقونه عند هؤلاء الذين قرؤوا هذه الآية كذلك يؤخذون به ، كما :

                  910 - حدثنا أحمد بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، قال : حدثنا عمران بن [ ص: 419 ] حدير ، عن عكرمة ، قال : الذين يطوقونه الذين يؤخذون به ، والذين يطيقونه يصومونه " .

                  وقد رويت هذه القراءة عن ابن عباس كما ذكرنا ، وروي عنه في المراد بها ما وصفنا .

                  وقد روي عنه أيضا خلاف هذه القراءة .

                  911 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا محول بن إبراهيم ، قال : حدثنا إسرائيل بن يونس ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : ( وعلى الذين يطيقونه ) قال : " الذين يجشمونه ولا يطيقونه للحبلى والمريض والكبير وصاحب العطاس " .

                  وكأن المراد بالطاقة في هذا عند ابن عباس هو الطاقة التي معها المشقة على ما في حديث عزرة ، عن سعيد ، عن ابن عباس ، الذي رويناه ، وليس على الطاقة التي لا مشقة لها .

                  912 - حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا معاذ بن هشام ، قال : حدثنا أبي ، عن قتادة ، عن عزرة ، عن سعيد بن جبير ، أن ابن عباس ، كانت له جارية ترضع فجهدت ، فقال لها : " أفطري ، فإنك بمنزلة ( الذين يطيقونه ) " .

                  ففي هذا الحديث ما يدل على أنها قد كانت تطيق الصوم بمشقة عليها وجهد لها ، فدل ذلك من قراءة ابن عباس على أنها على إثبات الطاقة ، لا على نفيها ، وعلى أن الطاقة المرادة في ذلك هي الطاقة التي معها المشقة والجهد ، لا ما سواها من الطاقات اللاتي لا جهد معها ولا مشقة .

                  وقد ثبت بهذه التأويلات اللاتي ذكرنا إيجاب صوم شهر رمضان في عين الشهر على الحاضرين ، البالغين ، المكلفين ، المطيقين لصومه ، وانتفى أن يكون لهم الرخصة في ترك صومه لفدية يفتدونها منه ، لأن الذين ذهبوا إلى أن الآية التي تلونا منسوخة كما قال سلمة بن الأكوع فيما روينا عنه من ذلك في هذا الكتاب ، ذهبوا إلى أنه قد كان للناس جميعا الفدية من الصوم بالإطعام ، حتى نسخ الله - عز وجل - ذلك بما نسخه به مما قد ذكرناه في هذا الباب ، ولأن الذين ذهبوا إلى أن الآية غير منسوخة قرؤوها على التطويق ، لا على الطاقة جعلوا الطعام المذكور فيها على المطوقين غير المطيقين كما روينا عن عائشة في هذه القراءة عن ابن عباس في الموافقة لها على ذلك ، وفي تأويله ذلك على ما تأوله عليه ، ولأن الذين ذهبوا إلى الرواية الأخرى التي رويناها ، عن ابن عباس ، وقرؤوها على إثبات الطاقة ، جعلوا الطعام المذكور فيها بدلا من الصيام على المطيقين له بالمشقة والجهد ، لا بما [ ص: 420 ] سواهما ، وجعلوا من لا مشقة عليه في الصوم ، ولا جهد عليه فيه من الداخلين في قوله : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) فقد عاد صوم شهر رمضان في عين الشهر فرضا على المطيقين للصوم بلا مشقة ، ولا اجتهاد من الحاضرين المطيقين .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية