الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  فإن قال قائل : قد روي عن عبادة بن الصامت ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، توقيفه الناس عن نهيه إياهم عن القراءة خلفه على إخراجه فاتحة الكتاب من ذلك وذكر في ذلك ما :

                  507 - حدثنا الحسين بن نصر ، قال : سمعت يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا محمد بن إسحاق ، عن مكحول ، عن محمود بن الربيع ، عن عبادة ، قال : صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الفجر ، فتعايا عليه القراءة ، فلما سلم ، قال : " أتقرؤون خلفي ؟ " ، قالوا : نعم يا رسول الله ، قال : " لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب ، فإنه لا صلاة لمن لا يقرأ بها " .

                  قيل له : قد اضطرب علينا إسناد هذا الحديث عن مكحول فيمن بينه وبين عبادة ، فرواه محمد بن إسحاق كما ذكرت ، ورواه عنه زيد بن واقد ، فخالفه في إسناده .

                  508 - كما حدثنا محمد بن سنان ، قال : حدثنا هشام بن عمار ، قال : حدثنا صدقة يعني ابن خالد ، قال : حدثنا زيد بن واقد ، عن حرام بن حكيم ، ومكحول ، عن نافع بن محمود بن ربيعة ، عن عبادة بن الصامت ، قال : صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعض [ ص: 252 ] الصلوات التي يجهر فيها القراءة ، فقال : " لا يقرأن أحد منكم إذا جهرت بالقراءة إلا بأم القرآن " .

                  وليس نافع بن محمود بمعروف ، فتعارض به مثل الآثار التي قد رويناها في هذا الباب ، وليس ما روى محمد بن إسحاق فيه ، عن مكحول بأولى مما رواه ابن واقد عنه .

                  وقد روى هذا الحديث رجاء بن حيوة عن محمود بن الربيع ، فأوقفه على عبادة .

                  509 - كما حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا أزهر السمان ، عن ابن عون ، عن رجاء بن حيوة ، عن محمود بن الربيع ، قال : صليت إلى جنب عبادة ، فقرأ بفاتحة القرآن ، فلما فرغ قلت : يا أبا الوليد ، ألم أسمعك قرأت بفاتحة القرآن ؟ قال : " أجل ، إنه لا صلاة إلا بها " .

                  وإذا عاد ما في هذا الحديث إلى عبادة غير مرفوع لم يكن ما روي عنه أولى مما روي في خلافه عن غيره ممن ذكرناه من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سواه . وقد روي عن أنس بن مالك في هذا المعنى ما :

                  510 - حدثنا أحمد بن داود ، قال : أخبرنا يوسف بن عدي ، قال : حدثنا عبد الله بن عمرو ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس ، قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أقبل بوجهه ، فقال : " أتقرؤون والإمام يقرأ ؟ فسكتوا ، فسألهم ثلاثا ، فقالوا : إنا لنفعل ، فقال : لا تفعلوا " .

                  وليس في هذا استثناء فاتحة الكتاب ولا غيرها .

                  وإنما أصل حديث عبادة الصحيح عنه ما قد :

                  511 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني محمود بن الربيع ، عن عبادة بن الصامت ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن " .

                  فهذا يحتمل أن يكون قد خرج منه من قد جعلت قراءة إمامه له قراءة . [ ص: 253 ]

                  ثم القياس يشهد لقول من قال بسقوط القراءة عن المأموم إذ كانوا لم يختلفوا في الرجل يأتي إلى إمامه وهو راكع فيدخل معه في صلاته إنه يعتد بتلك الركعة ، وإن لم يقرأ فيها فاتحة الكتاب ولا غيرها .

                  فدل ذلك على أن قراءته فاتحة الكتاب لو كانت واجبة عليه في الصلاة خلف الإمام ، لكانت كوجوب القيام والركوع ، والسجود عليه فيها ، ولما حمل الإمام ذلك عنه ، كما لا يحمل عنه القيام ، ولا الركوع ، ولا السجود .

                  ألا ترى أنه قد أتى من القيام يقومه وإن قل مقدارها عند دخوله في صلاته ، وأنه لا يجزئه أن يدخل في صلاته راكعا .

                  فدل ذلك على أن الإمام لا يحمل عنه ما يجب عليه أن يأتي به في الحال التي هو مأموم فيها كما يأتي به الإمام ، وأن سقوط القراءة بفاتحة الكتاب وبغيرها عن المأموم في هذه الحال سقوط لها عنه خلف الإمام في كل الأحوال [ ص: 254 ] [ ص: 255 ] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية