الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  ولما كان الفرض في يوم الجمعة عند أهل العلم على مذهبين ، فقوم منهم يقولون : الفرض هو الجمعة لا الظهر ، وقوم يقولون : الفرض هو الظهر على حكمها في سائر الأيام غير أن على الناس الذين يجب عليهم فرض الجمعة أن يحضروا الجمعة حتى يصلوها ، فيسقط عنهم بذلك فرض الظهر ، استحال أن يصلي البدل من الظهر قبل وقت الظهر في سائر الأيام ، واستحال أن يصلي الجمعة حتى يسقط بها فرض الظهر قبل دخول وقت الظهر ، ولما كان وقت الجمعة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبما قد شهد لها من النظر ، بعد زوال الشمس ، كان النداء لها أيضا بعد دخول وقتها ، كما كان النداء للظهر في غير الجمعة بعد دخول وقتها .

                  وكانت هذه الصلاة لها موطن خاص لا يجوز أن تصلى إلا فيه لم يذكر الله - عز وجل - ذلك في كتابه ، ولا وجدناه في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                  وقد روي عن علي بن أبي طالب في ذلك ما [ ص: 145 ] :

                  209 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، قال : حدثنا شعبة ، عن زبيد ، قال : سمعت سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن ، عن علي - رضي الله عنه - ، قال : " لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر من الأمصار " .

                  210 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن زبيد ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن ، عن علي كرم الله وجهه ، قال : " لا جمعة ، ولا تشريق إلا في مصر جامع " .

                  وهذا مما يحيط علما أن عليا - رضي الله عنه - لم يقله رأيا ، لأن مثله لا يقول بالرأي ، وإن لم يقله إلا توقيفا غير أن عليا لم يبين لنا في حديثه الأمصار ما هي ؟ فنظرنا في ذلك فإذا محمد بن خزيمة :

                  211 - قد حدثنا ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن الحسن ، أن عمر - رضي الله عنه - " مصر الأمصار سبعة : المدينة مصر ، والبحرين ، والبصرة ، والكوفة ، والجزيرة ، والشام ، ومصر " .

                  212 - حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا يزيد بن إبراهيم ، قال : حدثنا الحسن ، قال : الأمصار سبعة : المدينة مصر ، والبصرة ، والكوفة ، والبحرين ، والجزيرة ، والشام ، ومصر .

                  قال : وذكرت له واسط قال وقد قلتم واسط .

                  لما كانت هذه الأمصار إنما مصرت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، فوجب لها حكم الأمصار ، كان كذلك كل مصر للمسلمين سواها حتى صار في حكمها صارت الجمعة فيه كهي فيها ، غير أنه قد اختلف فيمن كان بقرب الأمصار هل يجب عليه حضور الجمعة أم لا ؟ .

                  213 - فحدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج بن منهال ، قال : حدثنا حماد ، عن الحجاج ، عن الوليد بن أبي مالك ، أن معاوية بن أبي سفيان ، قال : " تجب الجمعة على من كان [ ص: 146 ] على رأس أربعة فراسخ " .

                  وخالفه في ذلك عبد الله بن عمر .

                  214 - حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا جويرية ، عن نافع ، عن ابن عمر - رضي الله عنه - ما ، قال : " تجب الجمعة على من آواه الليل " ومعنى ذلك في أهله وقد خالفهما في ذلك أنس بن مالك .

                  215 - حدثنا محمد ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن حميد ، وغيره ، عن أنس : " أنه كان بالطف فربما جمع ، وربما لم يجمع ، ومقدار الطف من البصرة أقل من أربعة فراسخ ، وأقل من مسيرة نصف يوم " .

                  فدل ذلك على أن مذهب أنس في الجمعة أنها لا تجب إلا على من كان في الأمصار ممن عليه حضورها.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية