الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  ولما اختلفوا في ذلك ، ولم نجد فيه آية محكمة تدلنا على ما اختلفوا فيه التمسنا حكم ذلك في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فوجدنا الذين يذهبون إلى أنه يكون بغير صيام قد احتجوا في ذلك بما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما :

                  1067 - حدثناه عبد الملك بن أبي الحواري البغدادي ، قال حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي ، قال حدثنا سفيان ، قال حدثنا أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : كان عمر نذر [ ص: 471 ] اعتكاف ليلة في المسجد الحرام في الجاهلية ، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمر بأن يعتكف أن يفي بنذره . قالوا : فقد أباح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتكاف ليلة واحدة لا صوم فيها .

                  فدل ذلك على أن الاعتكاف قد يكون بلا صوم .

                  وكان من الحجة عليهم للآخرين أن هذا الحديث قد رواه غير سفيان عن أيوب بخلاف ما رواه سفيان عن أيوب .

                  1068 - حدثنا يونس ، قال حدثنا ابن وهب ، قال أخبرني حر بن حازم أن أيوب حدثه ، أن نافعا حدثه ، أن ابن عمر حدثه ، أن عمر سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بالجعرانة فقال : يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوما في المسجد الحرام فكيف ترى ؟

                  فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - اذهب فاعتكف فيه يوما .


                  ففي هذا الحديث أن سؤال عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما كان عن نذر باعتكاف يوم لا باعتكاف ليلة . وقد روى هذا الحديث عبد الله عن نافع كذلك لا كما رواه سفيان عن أيوب :

                  1069 - حدثنا محمد بن علي البغدادي قال حدثنا خلف بن هشام البزار قال حدثنا علي بن مسهر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنه أنه نذر في الجاهلية أن يعتكف يوما في المسجد الحرام ، فلما أسلم ذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : أوف بنذرك . ففعل .

                  فهذا هو أصل هذا الحديث إنما هو على اعتكاف يوم ، لا اعتكاف ليلة ، ومما يدل على ذلك أن الربيع المرادي :

                  1070 - حدثنا قال حدثنا ابن وهب . قال حدثني ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، ابن عمر قالا : لا جوار إلا بصوم .

                  1071 - وأن محمد بن عمرو بن يونس حدثنا قال حدثنا أبو معاوية الضرير عن [ ص: 472 ] حجاج بن أرطاة عن عطاء أن ابن عمر وابن عباس وعائشة قالوا : لا اعتكاف إلا بصوم .

                  فلم يخل حديث سفيان عن أيوب عن نافع الذي رويناه من أحد وجهين إما أن يكون أصله كما رواه جرير عن أيوب عن نافع فإن كان كما رواه جرير فليس لأحد الاحتجاج به في تثبيت الاعتكاف بلا صوم وإن كان كما رواه سفيان عن أيوب عن نافع فإن في ترك ابن عمر إياه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والقول بخلافه ما يدل على نسخه ، لأن ابن عمر لا يدفع شيئا قد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا إلى ما هو أولى منه .

                  وفي هذا تثبيت قول الذين قالوا : لا يكون الاعتكاف إلا بصوم ، هذا نافع قد ذكرنا عنه من قوله أنه قال : لا اعتكاف إلا بصوم . فدل ذلك على ما ذكرنا .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية