الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  تأويل قول الله - عز وجل - : ( الذين هم على صلاتهم دائمون )

                  قال الله - عز وجل - : ( الذين هم على صلاتهم دائمون ) ذهب قوم إلى أن المراد [ ص: 237 ] بهذا هو المحافظة على الصلوات المكتوبات ، وقالوا : هذا كقوله - عز وجل - : ( والذين هم على صلاتهم يحافظون ) . ورووا ذلك عن إبراهيم النخعي .

                  460 - حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا الفريابي ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، في قوله - عز وجل - : ( الذين هم على صلاتهم دائمون ) ، قال : المكتوبة .

                  وذهب آخرون من أهل العلم إلى أن المراد بهذا هو الإقبال على الصلاة ، ما كان المصلي فيها لا يخلط ذلك بالتفات عن يمينه ولا عن شماله ، ولا باشتغال بغيرها . ورووا ذلك عن عقبة بن عامر الجهني .

                  461 - حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، قال : حدثنا عمي عبد الله بن وهب ، قال : حدثني حيوة ، وابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، قال : سألت عقبة بن عامر عن قول الله - عز وجل - : ( الذين هم على صلاتهم دائمون ) أهم الذين لا يفترون ؟ قال : " هم الذين إذا صلوا لم يلتفتوا خلفهم ولا عن أيمانهم ولا عن شمائلهم " .

                  462 - حدثنا علي بن عبد الرحمن بن المغيرة ، قال : حدثنا عبد الله بن يوسف ، قال حدثنا بكر بن مضر ، قال : حدثنا عمرو بن الحارث ، عن ابن حسان ، أن أبا الخير حدثه ، عن عقبة بن عامر فيما أعلم ، أنه سأل عن قول الله - عز وجل - : ( الذين هم على صلاتهم دائمون ) .

                  قال : " هو الرجل القائم ، لا يلتفت يمينا ولا شمالا " .

                  وكأن هذا التأويل أشبه بالآية ، وأشبه بظاهرها من الأول ، لأنه قد ذكر فيها الديمومة على الصلاة ، فلو كانت المحافظة على الصلاة لم يكن المحافظ على الصلوات مداوما للصلوات ، لأنه يقطعها بخروجه منها ، وليست الديمومة كذلك ، لأنه لا تكون الديمومة بحال إلا بغير انقطاع يحدث فيها قبل آخرها .

                  ومن ذلك ما قد قال غير واحد من أهل العلم في رجل ، قال : والله لا كلمت فلانا ما دام في هذه الدار ، فخرج منها ، أن يمينه قد بطلت وأنه إن عاد إلى الدار فكان فيها ، ثم كلمه لم يحنث لأن ديمومته فيها قد انقطعت بخروجه منها .

                  ولو قال : والله لا كلمته ما كان فيها وكان فيها ، ثم خرج عنها ، ثم عاد إليها ، ثم كلمه حنث في يمينه ، لأنه قد تكون كينونة بعد كينونة ، ولا تكون ديمومة بعد انقطاع ، ولأن معنى الديمومة معنى ما دام ، لا معنى ما انقطع [ ص: 238 ] .

                  كذلك كان أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، يقولانه في المسألتين ، وكانت الديمومة في الصلاة قد تكون ديمومة ما كانت الصلاة ولا تنقطع إلا بآخرها الذي يكون مع انقطاع الصلاة ، وكان هذا التأويل فيه ديمومة مقدورا عليها ، وكان أولى التأويلين بها .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية