وأما قوله : ( وفي سبيل الله   )  فهو المعونة لأهل سبيل الله ، وهي طاعته ، فمنهم المجاهدون فيدفع إليهم منها ما يستعينون به على جهادهم ، ويكون الذي يدفع إليهم من ذلك ملكا لهم ، ومن مات منهم بعد ملكه إياه قبل أن يصرفه في النفقة على نفسه في جهاده كان من تركته ، وجرى فيه ما يجرى في تركته . 
فإن قال قائل : فكيف يملكه المدفوع إليه ؟ وإنما دفع إليه على أنه لسبيل الله - عز وجل - ؟ . 
قيل له : لم يدفع إليه على أنه غير مالك له ، إنما دفع إليه ليملكه ، ثم يصرفه بعد ذلك في سبيل الله - عز وجل -  [ ص: 368 ]  . 
ألا ترى أنه لو كان غنيا لم يجز أن يعطى من هذا شيئا إذا كانت الصدقة حراما عليه ، وإنما يعطاه إذا كان فقيرا ، وإذا أعسر فيما ذكرنا غنى المعطي وفقره لمن يكن ذلك إلا أنه يملك ما أعطى منه . 
وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على هذا المعنى في ملك المعطى في سبيل الله - عز وجل - ما يعطى فيه : 
 769  - حدثنا  يزيد بن سنان ،  ونصر بن مرزوق ،   وابن أبي داود ،  قالوا : حدثنا  عبد الله بن صالح ،  قال : حدثني  الليث ،  قال : حدثني عقيل ،  عن  ابن شهاب ،  قال : حدثني  سالم بن عبد الله ،  أن  عبد الله بن عمر  كان يحدث ، أن  عمر  تصدق بفرس في سبيل الله ، فوجده يباع بعد ذلك ، فأراد أن يشتريه ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستأمره في ذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تعد في صدقتك " .  
 770  - حدثنا يونس ،  قال : أخبرنا  ابن وهب ،  أن  مالكا  أخبره ، عن  زيد بن أسلم ،  عن أبيه ، قال : سمعت  عمر   - رضي الله عنه - ، يقول : حملت على فرس في سبيل الله - عز وجل - ، فأضاعه الذي كان عنده ، فظننت أنه بائعه برخص ، فسألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " لا تبتعه وإن أعطاكه بدرهم واحد ، ولا تعد في صدقتك ، فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه " .  
 771  - حدثنا  محمد بن علي بن داود ،  قال : حدثنا  خلف بن هشام البزار ،  قال : حدثنا  علي بن مسهر ،  عن  عبد الله بن عمر ،  عن  نافع ،  عن  ابن عمر ،  قال : حملت على فرس في سبيل الله ، وكنا إذا حملنا في سبيل الله أتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدفعناه إليه فيضعه حيث أراه الله - عز وجل - ، فجئت بفرس فدفعتها إليه ، فحمل عليها رجلا من أصحابه ، فوافقته يبيعها في السوق ، فأردت أن أشتريها منه ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكرت ذلك له ، فقال : " لا تشترها ، ولا تعد في صدقتك   " .  [ ص: 369 ]  . 
 772  - حدثنا علي بن شيبة ،  قال : حدثنا  يزيد بن هارون ،  قال : أخبرنا  سليمان التيمي ،  عن  أبي عثمان النهدي ،  عن  عبد الله بن عمر ،  عن  الزبير بن العوام ،  أنه " حمل على فرس في سبيل الله - عز وجل - ، فرأى فرسا أو مهرا فأراد شراءها فنهي عنها   " . 
 773  - حدثنا  محمد بن علي ،  قال : حدثنا الليث بن داود ،  قال : حدثنا  شعبة ،  عن الحكم بن عيينة ،  عن يحيى بن الحراز ،  عن  عبد الله بن معقل ،  عن  أسامة بن زيد بن حارثة ،  أنه " حمل على فرس في سبيل الله - عز وجل - ، فأراد أن يشتري فلوها فنهاه النبي   - صلى الله عليه وسلم - " . 
 774  - حدثنا  إبراهيم بن مرزوق ،  قال : حدثنا  وهب بن جرير ،  عن  شعبة ،  عن الحكم ،  عن عبد الله بن أسامة أو زيد ،   " حمل على فرس ، ثم ذكر مثله ولم يذكر يحيى بن الحراز . 
أفلا ترى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يمنع المحمول على الفرس في سبيل الله من بيعها من غير الذي حمله عليها إذا كان قد ملكها ، وإنما منعه من الذي حمله عليها لكراهية أن يعود إلى ملكه شيء قد أخرجه من ملكه إلى الله - عز وجل - بإعادته إياه إلى ملكه   . 
ومنهم الحاج المنقطع بهم ، فيدفع إليهم منها ما يستعينون على حجهم ، ويكون الذي يدفع إليهم من ذلك ملكا لهم على مثل ما ذكرنا فيما يدفع إلى المجاهدين في سبيل الله . وقد روي عن  ابن عمر  رضي الله عنهما مثل هذا . 
 775  - حدثنا يونس ،  قال : حدثنا أسد ،  قال : حدثنا  شعبة ،  عن  أنس بن سيرين ،  قال : أوصى إلي رجل بماله وقال : اجعله في سبيل الله ، فسألت  ابن عمر  ذلك ، فقال : " إن الحج من سبيل الله - عز وجل - ، فاجعله منه   " . 
 776  - حدثنا  ابن أبي داود ،  قال : حدثنا  عبد الله بن محمد بن أسماء ،  قال : حدثنا  مهدي بن ميمون ،  قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب ،  عن  ابن أبي نعيم ،  قال : كنت جالسا عند  ابن عمر ،  إذ أتته امرأة ، فقالت : يا أبا عبد الرحمن ،  إن زوجي مات  [ ص: 370 ] وأوصى بماله في سبيل الله - عز وجل - ، فقال : " أنفقيه على حجاج بيت الله - عز وجل - العتيق " .  
فهذا  ابن عمر  قد جعل الحج من سبيل الله . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					