كتاب الصلاة 
 [ ص: 138 ]  [ ص: 139 ] تأويل قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة   )  
قال الله - عز وجل - : ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة   ) فكان النداء المذكور في هذه الآية من المحكم الموقوف على المراد به وإنه الأذان ، ولم يبين لنا - عز وجل - كيفية الأذان  في هذه الآية ولا في غيرها من كتابه ، وبينه لنا على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم : 
 192  - حدثنا  بكار بن قتيبة ،  قال : حدثنا محمد بن خالد الواسطي ،  عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ،  عن  الزهري ،  عن سالم ،  عن أبيه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استشار المسلمين بما يجمعهم على الصلاة ، قالوا : لنا البوق ، وكرهه من أجل اليهود ، ثم ذكروا الناقوس فكرهه من أجل النصارى ، فأري تلك الليلة النداء رجل من الأنصار ،  يقال له : عبد الله بن زيد ،   وعمر بن الخطاب -  رضي الله عنه - ما ، فطرق الأنصاري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلا " فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا  فأذن " . 
قال  الزهري :  وزاد بلال  في نداء صلاة الصبح   " الصلاة خير من النوم " ، فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
فقال  عمر -  رضي الله عنه - : أما أني قد رأيت مثل الذي رأى ، ولكنه سبقني . 
 193  - حدثنا  إبراهيم بن أبي داود  قال : حدثنا  إبراهيم بن عبد الله الهروي ،  قال : حدثنا محمد بن دينار الطاعي ،  قال : حدثنا  خالد الحذاء ،  عن  أبي قلابة ،  عن  أنس بن مالك ،  قال : كانوا قد أرادوا أن يضربوا بالناقوس ، وأن يرفعوا نارا للإعلام بالصلاة حتى أري ذلك الرجل تلك الرؤيا " فأمر بلال  أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة " .  
 194  - حدثنا  إبراهيم بن مرزوق ،  قال : حدثنا عبد الله بن داود الحريني ،  عن  الأعمش ،  عن  عمرو بن مرة ،  عن  عبد الرحمن بن أبي ليلى ،  أن عبد الله بن زيد  رأى رجلا نزل من السماء عليه ثوبان أخضران أو بردان أخضران " فقام على جذم حائط ، فأذن :  الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا  رسول  [ ص: 140 ] الله ، أشهد أن محمدا  رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، ثم قعد ثم أقام مثل ذلك ، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره ، فقال : نعم ما رأيت علمها بلالا   " . 
 195  - حدثنا علي بن شيبة ،  قال : حدثنا  يحيى بن يحيى النيسابوري ،  قال : حدثنا وكيع ،  عن  الأعمش ،  عن  عمرو بن مرة ،  عن  عبد الرحمن بن أبي ليلى ،  قال : حدثني أصحاب محمد  صلى الله عليه وسلم ، أن عبد الله بن زيد الأنصاري  رأى في المنام الأذان فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبره ، فقال : " علمه بلالا   " فأذن مثنى وأقام مثنى ، وقعد قعدة " .  
 196  - حدثنا فهد بن سليمان ،  قال : حدثنا  علي بن معبد ،  قال : حدثنا  عبد الله بن عمرو ،  عن  زيد بن أبي أنيسة ،  عن  عمرو بن مرة ،  عن  عبد الرحمن بن أبي ليلى ،  قال : حدثنا أصحابنا ، فذكر مثله ، وزاد في الإقامة " قد قامت الصلاة " .  
قال ، وقال  عبد الله :  لولا أني أتهم نفسي لظننت أني رأيت ذلك وأنا يقظان غير نائم ، ثم قال  عمر بن الخطاب -  رضي الله عنه - : وأنا والله لقد طاف بي الذي طاف بعبد الله ،  فلما رأيته سبقني سكت . 
 197  - حدثنا  أبو بكرة ،  قال : حدثنا  أبو داود ،  قال : حدثنا  المسعودي ،  عن  عمرو بن مرة ،  عن  عبد الرحمن بن أبي ليلى ،  عن  معاذ بن جبل ،  قال : كانوا يجتمعون للصلاة ، يؤذن بها بعضهم بعضا ، حتى نقسوا أو كادوا أن ينقسوا ، فإذا رجل من الأنصار ،  يقال له : عبد الله بن زيد  أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " يا رسول الله ، إني أخبرك أني لم أكن نائما أصدقت أني لبين النائم واليقظان ، إذ رأيت شخصا عليه ثوبان أخضران ، أو بردان أخضران ، فقام فاستقبل القبلة ، فقال : الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، قال ذلك مرتين أشهد أن محمدا  رسول الله ، أشهد أن محمدا  رسول الله ، وجعل آخر ذلك لا إله إلا الله ، ثم أمهل هنيهة ، ثم قام ، فقال مثل ذلك ، إلا أنه يزيد : قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " علمها بلالا   " . 
فقال  عمر :  يا رسول الله ، أما إنه قد طاف بي الليلة مثل الذي طاف بعبد الله ،  ولكنه سبقني " .  
 198  - حدثنا  علي بن معبد ،  وعلي بن شبة ،  قالا : حدثنا  روح بن عبادة ،  وحدثنا  أبو  [ ص: 141 ] بكرة ،  قال : حدثنا  أبو عاصم ،  قال : حدثنا  ابن جريج ،  قال : أخبرني عثمان بن السائب ،  قال  أبو عاصم  في حديثه ، قال : أخبرني أبي وأم عبد الملك بن أبي محذورة ،  عن  أبي محذورة ،  وقال  روح  في حديثه ، عن  أم عبد الملك بن أبي محذورة ،  عن  أبي محذورة ،  قال : " علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأذان كما يؤذنون الآن : الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا  رسول الله ، أشهد أن محمدا  رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، وعلمني الإقامة مثنى مثنى ، فذكر مثل الأذان سوى غير أنه لم يرجع فيه ، وقال في آخره : قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة " .  
 199  - حدثنا  أبو بكرة ،   وعلي بن عبد الرحمن ،  قالا : حدثنا عفان بن مسلم الصفار ،  قال : حدثنا  همام بن يحيى ،  قال : حدثني عامر الأحول ،  قال : حدثني  مكحول ،  أن  عبد الله بن محيريز ،  حدثه : " أن  أبا محذورة  علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - الأذان تسع عشرة كلمة : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، ثم ذكر بقية الأذان على ما في الحديث الأول . 
حديث  أبي محذورة  وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علمه الإقامة تسع عشرة كلمة الله أكبر ، الله أكبر ، ثم ذكر مثل حديث  روح  سواء . 
فثبتت بهذه الآثار كيفية الأذان للجمعة ولسائر الصلوات  سواء . 
غير أن ما في حديث  أبي محذورة  من حديث  ابن جريج :  الله أكبر الله أكبر ، وفي حديثه من حديث  ابن محيريز :  الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر . 
وكان حديث  ابن محيريز  أولاهما عندنا ، لأنا وجدنا ما في الأذان مما يكرر ، والثاني منه على النصف من الأول . 
ألا ترى أنه يقول في أول الأذان : أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنه إذا كرر في آخر الأذان يقول : لا إله إلا الله ، مرة واحدة ، فلما كان ذلك ، كذلك وكان يقول في آخر الأذان إذا كرر التكبير : الله أكبر ، الله أكبر ، كان الذي يقوله من ذلك في أوله مثل ذلك ، وهو : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر . 
وأما الترجيع الذي في الخبرين جميعا عن  أبي محذورة  فليس عندنا من سنة الأذان ، وإنما كان لعلة أخرى قد بينت في الحديث . 
 200  - حدثنا  علي بن معبد ،  وعلي بن شبة ،  قالا : حدثنا  روح ،  قال : أخبرنا  ابن جريج ،  قال : حدثني عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة ،  أن  عبد الله بن محيريز  أخبره ، أن  أبا محذورة   [ ص: 142 ] قال له : خرجت في نفر ، وكنا في بعض طريق حنين ،  فقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من حنين  ولقينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببعض الطريق ، فأذن مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسمعنا صوت المؤذن ونحن متنكبون ، فسخرنا نحكيه ونستهزئ به ، فسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصوت ، فأرسل إلينا إلى أن وقفنا بين يديه ، فقال : " أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع ؟ " فأشار القوم كلهم إلي وصدقوا ، فأرسل كلهم وحبسني ، فقال : قم فأذن بالصلاة ، فألقى علي التأذين هو بنفسه ، فقال : " قل : الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا  رسول الله ، أشهد أن محمدا  رسول الله ، ثم قال لي : ارجع فامدد صوتك ، ثم قل : أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا  رسول الله ، أشهد أن محمدا  رسول الله " . ثم ذكر الأذان على ما في حديث الأول . 
ففي هذا الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يرجع فيمد من صوته إذ كان لم يمد من صوته في الابتداء كذلك ، ولو كان من سنة الأذان  الخفض في الأولى والرفع في الثانية ، إذن لعلمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأولى قبل الثانية . 
فلما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك ، ولم يعلمه إياه وكان ذلك الخفض من  أبي محذورة ،  لا بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياه به ، فأمره بالرجوع ، وأن يمد من صوته ، دل ذلك على أن الخفض الذي كان منه في الأول ليس من سنة الأذان ، وإنه إنما أمره بالترجيع ليسمع وليستعمل رفع الصوت في كل أذانه . 
وكان لهذا النداء الذي ذكره الله - عز وجل - في كتابه وبينه على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - وقت معلوم غير مذكور في الآية يجب إتيان الصلاة عنده ، فنظرنا فيه فوجدنا . 
 201  - يونس  قد حدثنا ، قال : حدثنا  يحيى بن حسان ،  قال : حدثنا  فليح بن سليمان الخزاعي ،  قال : حدثنا عثمان بن عبد الرحمن التيمي ،  قال : سمعت  أنس بن مالك ،  يقول : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يصلي الجمعة إذا زالت الشمس " .   [ ص: 143 ]  . 
 202  - حدثنا  ابن أبي داود ،  قال : حدثنا  يوسف بن عدي ،  قال : حدثنا  مروان بن معاوية ،  عن  عبد الحميد بن جعفر ،  عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله ،  عن أبيه ، " أنهم كانوا يجمعون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ويرجعون ، فيقيلون في بني سلمة ،  قال : وبين مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين بني سلمة  نحو من ميل " .  
 203  - حدثنا  يحيى بن آدم ،  قال : حدثنا الحسن بن عباس ،  عن  جعفر بن محمد ،  عن أبيه ، عن جابر ،  قال : " كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة ، ثم نرجع فنرفع نواضحنا قلت : أية ساعة ذلك ؟ قال : عند زوال الشمس " .  
 204  - حدثنا  ابن أبي داود ،  قال : حدثنا  سعيد بن أبي مريم ،  قال : أخبرنا  أبو غسان ،  قال : حدثني  أبو حازم ،  عن  سهل بن سعد ،  قال : " كنا نصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - الجمعة ، ثم تكون القائلة   " . 
 205  - حدثنا  ابن أبي داود ،  قال : حدثنا أحمد بن عبيد الله بن يونس ،  قال : حدثنا يعلى بن الحارث المحاربي ،  قال : سمعت  إياس بن سلمة ،  عن أبيه ، قال :  " كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجمعة فننصرف وليس للحيطان فيء " .  
فهذه الآثار قد رويت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الوقت الذي صلى فيه الجمعة كما ذكر فيها فأما حديث سلمة  في قوله :  " فننصرف وليس للحيطان فيء " ، فهذا عندنا عليه يريد الفيء الذي يظل وأما حديث عبد الرحمن ،  عن أبيه ، وحديث سهل  وذكر القائلة فيهما ، فهما أيضا عندنا بعد الزوال ، لأن القائلة إنما تكون بعد الزوال . 
وأما حديث  محمد بن علي بن حسين ،  عن جابر  في ذكره زوال الشمس فهو أيضا على حين تزول ، لأنه لا يكون زوالها إلا وقد زالت ، وقد بين ذلك وفسره  أنس  في حديثه الذي روينا عنه في هذا الباب . 
وقد روي عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الوقت الذي كانوا يصلونها فيه اختلاف . 
فأما  ابن مسعود  فروي عنه في ذلك ما  [ ص: 144 ]  : 
 206  - حدثنا  إبراهيم بن مرزوق ،  قال : حدثنا  وهب بن جرير ،  قال : حدثنا  شعبة ،  عن  عمرو بن مرة ،  عن عبد الله بن سلمة ،  قال : صلى  عبد الله بن مسعود  بأصحابه الجمعة ضحى ، ثم قال : " إنما فعلت ذلك مخافة الحر عليكم " .  
وقد خالفه فيما فعل من ذلك  عمر بن الخطاب ،   وعلي بن أبي طالب .  
 207  - حدثنا يونس ،  قال : حدثنا  يحيى بن حسان ،  قال حدثنا هشيم ،  قال : أخبرنا  الزهري ،  عن  عبيد الله بن عبد الله ،  عن  ابن عباس ،  قال : " رحت إلى المسجد ، يعني : يوم الجمعة ، ولا أظن أن أحدا سبقني ، فإذا سعيد بن عمرو بن نفيل  جالس ، فجلست إلى جنبه ، فلما زالت الشمس خرج  عمر بن الخطاب  فقعد على المنبر ، وأذن المؤذن   " . 
 208  - حدثنا سليمان بن شعيب ،  قال : حدثنا  علي بن معبد ،  قال : حدثنا أبو بكر بن عباس ،  عن  أبي إسحاق ،  قال : " صليت مع  علي بن أبي طالب  الجمعة بالهاجرة ، قال : قلت : قبل الزوال أو بعد الزوال ؟ قال : بعد الزوال " .  
وهذا من فعلهما بحضرة غيرهما من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير أن في حديث  عبد الله  ما يدل على أن المتعارف منهم في الجمعة غير الذي فعله ، لقوله لهم ،  " إنما فعلت ذلك مخافة الحر عليكم " ، وليس لأحد أن يعجل صلاة عن وقتها لحر ولا لبرد إلا بإباحة من الله - عز وجل - إياه ذلك . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					