أما الزمانة بالعمى فإن أهل العلم مختلفون في حكمهم في هذا ، فطائفة منهم تقول : هم كمن سواهم من الزمانة . وقد روي ذلك ، عن  أبي حنيفة  رحمه الله ، فلا يجب عليهم في قول هؤلاء إتيان الجمعة . 
وطائفة منهم تقول : يجب عليهم إتيان الجمعة ، ولا يجعلونهم كمن سواهم من الزمنى ، ويجعلونهم في حكم من لا يعرف الطريق من البصراء ، فليس ذلك بمسقط عنهم حضور الجماعات ، وهكذا قال  محمد بن الحسن ،  ولم يحك خلافا بينه وبين  أبي حنيفة ،   وأبي يوسف   . 
ولما اختلفوا في ذلك ولم نجد في كتاب الله - عز وجل - على ذلك دليلا مجمعا على المراد به ، نظرنا هل في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يدلنا على ذلك فوجدنا  أبا أمامة  قد حدثنا : 
 219  - قال حدثنا  سعيد بن سليمان الواسطي ،  قال : حدثنا إسحاق بن سليمان ،  قال : حدثنا  أبو سنان ،  عن  عمرو بن مرة ،  قال : أخبرني أبو رزين ،  عن  أبي هريرة -  رضي الله عنه - ، قال : " جاء  ابن أم مكتوم  إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إني رجل ضرير شاسع الدار ، وليس لي قائد يلازمني ، أفلي رخصة أن لا آتي المسجد ؟  فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا " . 
 220  - حدثنا  أبو بكرة ،  قال : حدثنا  أبو داود ،  قال : حدثنا  شعبة ،  عن  عمرو بن مرة ،  قال :  [ ص: 148 ] سمعت  ابن أبي ليلى ،  يقول : كان منا رجل ضرير البصر ، فقال : يا رسول الله ، إن بيني وبين المسجد نخلا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتسمع النداء ؟ " ،  قال : نعم قال : " فإذا سمعت النداء فادنه " . 
 221  - حدثنا  ابن أبي داود ،  قال : حدثنا  أبو عمر الحوضي ،  قال : حدثنا  عبد العزيز بن مسلم ،  قال : حدثنا  حصين بن عبد الرحمن ،  عن  عبد الله بن شداد ،  عن عبد الله ابن أم مكتوم ،  قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المسجد ، فرأى في الناس رقة ، فقال : " إني لأهم أن أجعل للناس إماما ، ثم أخرج فلا أقدر على رجل تخلف في بيته عن الصلاة إلا حرقت عليه " ، فقلت : يا رسول الله ، إن بيني وبين المسجد نخلا وشجرا ، وليس كل حين أقدر على قائد ، أفأصلي في بيتي ؟ ، قال : " فتسمع الإقامة ؟ " قلت : نعم قال : " فأتها " .  
 222  - حدثنا عبد الغني بن رفاعة بن أبي عقيل اللخمي ،  قال : حدثنا  عبد الرحمن بن زياد ،  قال حدثنا  شعبة ،  عن  حصين بن عبد الرحمن ،  عن  عبد الله بن شداد بن الهاد ،  أن  ابن أم مكتوم ،  قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن بيني وبين المسجد أشياء ، وربما وجدت قائدا ، وربما لم أجد قال : أليس تسمع النداء ؟ قال : " فإذا سمعت النداء فامش إليها .  
ثم سأله رجل آخر عن مثل ذلك ، فقال : " فإذا سمعت النداء فادن " ، وما رخص له ، ثم قال : " لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ، ثم آتي أقواما لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم . 
ومعنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هل تسمع الإقامة " ، عندنا هو العلم بها ، لأنه إنما خاطب بذلك أعمى لا يعرف أوقات الصلاة بساعات النهار ، وإنما يعرفها بما يسمعه من الإقامة ، والإخبار بأن الصلاة قد حضرت . ألا ترى أنه لو كان أصم لوجب عليه من إتيان الصلاة ما يجب على السامع إذا علم بها ، ولم يزل ذلك عنه بالصمم . 
وجميع ما بينا في هذا الباب قول  مالك ،  وأبي حنيفة ،   وأبي يوسف ،  ومحمد ،   والشافعي  غير ما حكيناه عن إحدى الروايتين ، عن  أبي حنيفة ،  في الأعمى أنه ليس عليه حضور الجمعة ، وغير ما حكيناه فيه من حكم الأعمى في ذلك ، فإنا لم نجد فيه عن  مالك ،  ولا عن  والشافعي  شيئا ، وأمسكنا عن ذكر اختيارنا في الإقامة للصلاة في موضعها من هذا الباب إذ كانت غير مذكورة في الآية  [ ص: 149 ]  . 
				
						
						
