فهكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في ما يحدثون به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، منه ما أخذوه منه سماعا ، ومنه ما قد صح عندهم عنه بلاغا   - صلى الله عليه وسلم - . 
ومن ذلك ما روي عن  أبي هريرة -  رضي الله عنه - مما كان ذكره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيمن أدركه الصبح وهو جنب أنه يفطر . 
 428  - حدثنا  أبو بكرة ،  قال : حدثنا  روح ،  قال : حدثنا  ابن جريج ،  قال : أخبرني عمرو ،  عن يحيى بن جعدة ،  أنه أخبره ، عن عبد الله بن عمرو القاري ،  أنه سمع  أبا هريرة -  رضي الله عنه - ، يقول : " لا ورب هذا البيت ما أنا قلت : من أدرك الصبح وهو جنب فليفطر ولكن محمدا  قاله ، ورب هذا البيت ما أنا نهيت عن صوم يوم الجمعة ، ولكن محمدا   - صلى الله عليه وسلم -  [ ص: 225 ] نهى عنه إذا أفرد " .  
وقد كان  أبو هريرة -  رضي الله عنه - يحكي مثل هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما يسمعه منه ، ولا يذكر من بينه وبينه ، فإذا وقف على ذلك ، قال : حدثني به فلان . 
 429  - حدثنا يونس ،  قال : أخبرنا  ابن وهب ،  أن  مالكا  أخبره ، عن  سمي ، مولى أبي بكر ،  أنه سمع  أبا بكر بن عبد الرحمن ،  يقول : كنت أنا وأبي عند عبد مروان بن الحكم  وهو أمير المدينة ،  فذكر له أن  أبا هريرة ،  يقول : من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم ،  فقال مروان : أقسمت عليك لتذهبن إلى أم المؤمنين  عائشة   وأم سلمة  فتسألهما عن ذلك . 
فذهب عبد الرحمن  وذهبت معه حتى دخلنا على  عائشة ،  فسلم عليها عبد الرحمن ،  ثم قال : يا أم المؤمنين ، إنا كنا عند مروان ،  فذكر له أن  أبا هريرة ،  يقول : من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم ، فقالت  عائشة  رضي الله عنها : بئس ما قال  أبو هريرة  يا عبد الرحمن ،  ترغب عن ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل ؟ فقال : لا والله . 
قالت : فأشهد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أنه كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام ، ثم يصوم ذلك اليوم " ، قال : ثم خرجنا حتى دخلنا على  أم سلمة  فسألها عن ذلك ، فقالت كما قالت  عائشة ،  فخرجنا حتى جئنا مروان ،  فذكر له عبد الرحمن  ما قالتا . 
فقال مروان :  أقسمت عليك يا أبا محمد  لتركبن دابتي فأتها فلتذهبن إلى  أبي هريرة ،  فإنه بأرضه بالعقيق ،  فلتخبرنه ذلك ، فركب عبد الرحمن  وركبت معه حتى أتينا  أبا هريرة ،  فتحدث معه عبد الرحمن  ساعة ، ثم ذكر له ذلك ، فقال  أبو هريرة   : لا علم لي بذلك ، إنما أخبرنيه مخبر . 
 430  - حدثنا علي بن شبة ،  قال : حدثنا  يزيد بن هارون ،  قال : حدثنا  ابن عون ،  عن  رجاء بن حيوة ،  عن يعلى بن عقبة ،  قال : أصبحت جنبا وأنا أريد الصوم ،  فأتيت  أبا هريرة ،  فسألته ، فقال لي : أفطر ، فأتيت مروان  فسألته وأخبرته بقول  أبي هريرة ،  فذهب  عبد الرحمن بن الحارث  إلى  عائشة  وسألها ، فقالت : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج لصلاة الفجر ورأسه يقطر من جماع ، ثم يصوم ذلك اليوم " . 
فرجع إلى مروان  فأخبره ، فقال : ائت  أبا هريرة  فأخبره ، فأتاه فأخبره ، فقال : إني لم أسمعه  [ ص: 226 ] من النبي صلى الله عليه وسلم ، إنما حدثنيه الفضل  عن النبي صلى الله عليه وسلم . 
فإن قال قائل : هذا قد يحتمل فيما جاؤوا به مطلقا ، فأما حديث  أبي هريرة ،  عن يوم ذي اليدين ، فإنه قال فيه :  " صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتيت حضور تلك الصلاة " . 
قيل له : ليس في ذلك إثبات حضور تلك الصلاة ، لأنه قد يجوز أن يكون قوله صلى بنا على معنى صلى بالمسلمين الذين هو منهم ، وإن لم يحضر صلاته تلك بهم ، كما قال النزال بن سبرة  فيما : 
 431  - حدثنا فهد ،   وأبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي ،  قالا : حدثنا  أبو نعيم ،  قال : حدثنا مسعود ،  عن عبد الملك بن ميسرة ،  عن النزال بن سبرة ،  قال : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا وإياكم كنا ندعى بني عبد مناف ،  فأنتم اليوم بنو عبد الله ،  ونحن بنو عبد الله ،   يعني : لقوم النزال " . 
ففي هذا قول النزال  قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ولم ير النزال  رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما أراد أي قال لقومنا الذين هو منهم من خاطبه النبي - صلى الله عليه وسلم - بما خاطبه به من ذلك القول . 
وكذلك قول  أبي هريرة :   " صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " في حديث ذي اليدين ، عندنا إنما معناه صلى بنا ، صلى بالصحابة الذين هو منهم ممن حضر تلك الصلاة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سواه ، وقد روى حديث ذي اليدين  عبد الله بن عباس ،   وابن عمر ،   وعمران بن حصين .  
 432  - حدثنا  أبو أمية ،  قال : حدثنا  عبيد الله بن موسى العبسي ،  قال : حدثنا  إسرائيل ،  عن جابر ،  عن  عكرمة ،  عن  ابن عباس -  رضي الله عنه - ما ، قال : " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثلاثا ثم سلم ، فقال له ذو الشمالين : أنقصت الصلاة يا رسول الله ؟  قال وكذلك يا ذا اليدين ؟ قال : نعم ، فركع ركعة وسجد سجدتين " . 
 433  - حدثنا فهد ،  قال : حدثنا  أبو بكر بن أبي شيبة ،  قال : حدثنا  أبو أسامة ،  عن  عبيد الله بن عمر ،  عن  نافع ،  عن  ابن عمر ،  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بالناس ركعتين فسها فسلم ،  فقال ذو اليدين ، فذكر مثل حديث  أبي هريرة ،  وأنه قال : أنقصت الصلاة يا رسول الله ؟ قال : " لا " . 
قال : فصلى ركعتين أخريين ثم سجد سجدتي السهو ثم سلم " .  [ ص: 227 ] 
 434  - حدثنا محمد بن خزيمة ،  قال : حدثنا  معلى بن أسد ،  قال : حدثنا  وهيب بن خالد ،  عن  خالد الحذاء ،  عن  أبي قلابة ،  عن أبي المهلب ،  عن  عمران بن الحصين ،  قال : " سلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ثلاث ركعات ، فدخل الحجرة مغضبا ، فقام الخرباق  رجل بسيط اليدين ، فقال : يا رسول الله ، أقصرت الصلاة أم نسيت ؟ فخرج يجر رداءه فسأل فأخبر ، فصلى الركعة التي كان ترك ، وسلم ثم سجد سجدتين ثم سلم " .  
فهذا  ابن عباس ،  وابن عمر ،  وعمران بن حصين ،  وهم أقدم إسلاما من  أبي هريرة ،  وقد رووا هذا الحديث ولم يحك واحد منهم أنه شهد تلك الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ،  وأبو هريرة  ممن حدث بعدهم ، وكان حضوره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد حضورهم إياه ، وكيف شهد  أبو هريرة  من صلاته التي تقدمت إسلامه ما لم يشهده من هو أقدم إسلاما منه . 
				
						
						
