تأويل قوله تعالى : ( فرجالا أو ركبانا   )  
قال الله جل ثناؤه : ( فإن خفتم فرجالا أو ركبانا   ) فأما قوله : ( فرجالا   ) فذلك على الصلاة على الأرض على ما يصلي عليه الخائف وغير الخائف من صلاة الأمن ومن صلاة الخوف على ما بينا في كتابنا هذا في صلاة كل واحد منهما . 
وأما قوله : ( أو ركبانا   ) فإنه - جل وعز - أباح للخائف الراكب أن يصلي راكبا في حال الخوف ،  كما يصلي المسافر التطوع في سفره راكبا ، وحيث توجهت به راحلته أو دابته . فإن قال قائل : فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يصل يوم قاتل الأحزاب ، وهو يوم الخندق  حتى ذهب الوقت الذي يصلى فيه العصر راكبا وذكر في ذلك ما : 
 435  - حدثنا  علي بن معبد ،  قال : حدثنا  شجاع بن الوليد ،  قال : حدثنا  زائدة بن قدامة ،  قال : سمعت عاصما  يحدث ، عن زر ،  عن علي -  رضي الله عنه - ، قال : قاتلنا الأحزاب فشغلونا عن  [ ص: 228 ] العصر حتى كربت الشمس أن تغيب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم املأ قلوب الذين شغلونا عن الصلاة الوسطى نارا ، واملأ بيوتهم نارا ، واملأ قبورهم نارا " .  
قال علي -  رضي الله عنه - : كنا نرى أنها صلاة الفجر . 
 436  - حدثنا  إبراهيم بن مرزوق ،  قال : حدثنا  أبو عامر ،  عن  شعبة ،  عن الحكم ،  عن يحيى بن الجزار ،  عن علي -  رضي الله عنه - ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قعد يوم الخندق  على فرضة من فرائض الخندق  ، فقال : " شغلونا عن الصلاة حتى كربت الشمس أن تغيب اللهم املأ قلوب الذين شغلونا عن الصلاة الوسطى نارا ، واملأ بيوتهم نارا ، واملأ قبورهم نارا " .  
 437  - حدثنا  علي بن معبد ،  قال : حدثنا  معلى بن منصور الرازي ،  قال حدثنا  أبو عوانة ،  عن هلال بن خباب ،  عن  عكرمة ،  عن  ابن عباس -  رضي الله عنه - ما ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - غزا غزوة فلم يرفع منها ، حتى مشى بصلاة العصر عن الوقت الذي كان يصليها فيه ، فقال : " اللهم املأ قلوب الذين شغلونا عن الصلاة الوسطى نارا ،  واملأ بيوتهم نارا ، واملأ قبورهم نارا " . 
 438  - حدثنا  علي بن معبد ،  قال : حدثنا إسحاق بن منصور السلولي ،  قال : حدثنا  محمد بن طلحة ،  عن زبيد ،  عن مرة ،  عن  عبد الله ،  قال : شغل النبي - صلى الله عليه وسلم - المشركون يوم الأحزاب عن صلاة العصر حتى غربت الشمس ، فقال : " شغلونا عن الصلاة الوسطى حشا الله - عز وجل - أجوافهم وقبورهم نارا " .  
 439  - حدثنا  إبراهيم بن مرزوق ،  قال : حدثنا  أبو عامر ،  عن  محمد بن طلحة ،  فذكر بإسناده مثله  [ ص: 229 ]  . 
 440  - حدثنا  علي بن معبد ،  وفهد ،  قالا : حدثنا  علي بن معبد بن شداد ،  قال : حدثنا  عبد الله بن عمرو ،  عن  زيد بن أبي أنيسة ،  عن  عدي بن ثابت ،  عن زر ،  عن حذيفة ،  قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يوم الخندق  ، يقول : " شغلونا عن صلاة العصر " ، قال : ولم يصلها يومئذ حتى غابت الشمس ، " ملأ الله قبورهم نارا ، وقلوبهم نارا ، وبيوتهم نارا " .  
قيل له : كان هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن ينزل الله - عز وجل - عليه ( فرجالا أو ركبانا   ) ، وقد بين ذلك  أبو سعيد الخدري -  رضي الله عنه - . 
 441  - حدثنا يونس ،  قال : أخبرنا  ابن وهب ،  قال : أخبرني  ابن أبي ذئب ،  عن  سعيد المقبري ،  عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ،  عن أبيه ، قال : " حبسنا يوم الخندق  حتى كان بعد المغرب بهوى من الليل حتى كفينا ، وذلك قول الله - عز وجل - : ( وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا   ) ، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا ،  فأقام الظهر فصلاها ، فأحسن صلاتها كما كان يصليها بالأمس ، ثم أمره فأقام العصر فصلاها كذلك . ثم أمره فأقام المغرب فصلاها كذلك " . 
وذلك قبل أن ينزل الله - عز وجل - في صلاة الخوف : ( فرجالا أو ركبانا   ) .  
 442  - حدثنا  إبراهيم بن مرزوق ،  قال : حدثنا  أبو عامر ،   وبشر بن عمر الزهراني ،  عن  ابن أبي ذئب ،  فذكر بإسناده مثله . 
 443  - حدثنا فهد ،  قال : حدثنا  القعنبي ،  قال : قرأت على  ابن أبي ذئب ،  ثم ذكر بإسناده مثله . 
ففي هذا الحديث أن نزول قول الله - عز وجل - : ( فرجالا أو ركبانا   )  إنما كان بعد يوم الخندق  ، فثبت بذلك أن ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما تركه من الصلوات يومئذ ، إنما كان قبل أن يباح لهم ذلك ، لأن حكمها كان يومئذ أن تصلى على الأرض ، ثم أباح الله - عز وجل - للخائف أن يصليها على راحلته ، فعاد حكمها في تأديتها على  [ ص: 230 ] الراحلة إلى حكم التطوع الذي يصلى على الراحلة على ما ذكرنا من كيفيته ، ومن إباحة استدبار القبلة فيما تقدم منا في كتابنا هذا . 
وإنما تكون هذه الصلاة المكتوبة على الراحلة على ما ذكرنا في حال الخوف من النزول ، وكذلك ما أشبهه من الخوف من السباع إذا خيف اقترابها مع النزول . 
 444  - وقد حدثنا يونس ،  قال : أخبرنا  ابن وهب  أن  مالكا  حدثه ، عن  نافع ،  عن  ابن عمر ،  أنه كان إذا سئل عن صلاة الخوف ،  ثم ذكر الذي ذكرناه عن  ابن عمر  في صلاة الخوف في الباب الذي قبل هذا . 
قال : وإن كان خوفا هو أشد من ذلك صلوا رجالا قياما على أقدامهم ، أو ركبانا مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها . 
قال  نافع :  لا أدري  عبد الله بن عمر ،  قال ذلك إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا كله على الخوف الذي لا قتال معه ، لقوله - عز وجل - : ( فإن خفتم   ) ، فذكر الخوف خاصة دون القتال ، فأما إن كان يقاتل فإنه لا يصلي حتى ينقضي ما هو فيه من القتال ، فإن أدرك وقت الصلاة صلاها ، وإن فاتته قضاها ، لأن القتال عمل تفسد به الصلاة ، وهذا كله قول  أبي حنيفة ،   وزفر ،   وأبي يوسف ،  ومحمد .  
				
						
						
