وقال قائلون ممن ذهب إلى القول الأول : ليس بين السائمة وغيرها من الإبل فرق والزكاة واجبة في العوامل منها كما تجب في السوائم منها ؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفصل في ذلك بين عاملة ولا سائمة وذكروا في ذلك ما : 
 590  - حدثنا يونس ،  قال : أخبرنا  ابن وهب ،  قال : حدثني  عبد الله بن عمر  ويحيى بن عبد الله بن سالم ،   ومالك ،   وسفيان بن عيينة ،  أن عمرو بن يحيى المازني  حدثهم ، عن أبيه ، عن  أبي سعيد الخدري ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة ، وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة ، وليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة " .  
قالوا : وكذلك كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسائر عماله على الصدقات منهم : عمرو بن حزم ،  ولم يذكر فيها سائمة ولا عاملة ، وذلك لاستواء الأحكام فيها وانتقال الاختلاف عنها . 
فكان من الحجة عليهم للآخرين من أهل القول الأول أن حديث عمرو بن يحيى  الذي ذكروه في هذا الباب : " ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة " ، وفيه أيضا : " فيما دون خمسة أوسق صدقة ، فلم يكن ما ذكره - صلى الله عليه وسلم - في الأوسق على العموم ، ولا على كل الأوساق ، وإنما كان على خاص منها . 
ألا ترى أن من كان عنده خمسة أوسق لم تخرجها أرضه أنه لا زكاة عليه فيها إلا أن تكون للتجارة ، فبلغ قيمتها ما تجب فيه الزكاة ، ويحول عليها الحول فيزكيها . 
فلما كان قوله صلى الله عليه وسلم : " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " ، إنما هو على خاص من الأوسق قد فهمه المخاطبون به ، كان كذلك قوله : " ليس فيما دون خمس ذود صدقة " على خاص من الأذواد قد علمه المخاطبون بهولما كان  علي بن أبي طالب -  رضي الله عنه - ممن قد روي عنه فرائض الإبل على ما :  [ ص: 293 ]  . 
 591  - حدثنا بكار ،  قال : حدثنا مؤمل ،  قال : حدثنا  سفيان الثوري ،  عن  أبي إسحاق ،  عن عاصم بن ضمرة ،  عن علي -  رضي الله عنه - ، أنه قال في صدقة الإبل : " في خمس شاة ، وفي عشر شاتان ، وفي خمس عشرة ثلاث شياه ، وفي عشرين أربع شياه " ،  وذكر فرائض الإبل " . وأخرج ذلك على العموم ، وقد كان من قوله : ألا صدقة على العوامل منها ، على ما قد رويناه عنه في هذا الباب ، دل ذلك أن مراده الإبل السائمة ، لا الإبل العاملة . 
ثم قد وجدنا في كتاب  أبي بكر الصديق -  رضي الله عنه -  لأنس بن مالك  حين ولاه على الصدقة ما : 
 592  - حدثنا  إبراهيم بن مرزوق ،  قال : أخبرنا  محمد بن عبد الله الأنصاري ،  قال : حدثنا أبي ، عن  ثمامة بن عبد الله بن أنس ،  عن  أنس ،  أن  أبا بكر الصديق  لما استخلف وجه  أنس بن مالك  إلى البحرين ،  وكتب له هذا الكتاب : " هذه فريضة من الصدقة التي فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين ،  التي أمر الله - عز وجل - بها ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فمن سئلها من المؤمنين على وجهها فليعطها ، ومن سئل فوقها فلا يعطها : في أربع وعشرين من الإبل فما دونها الغنم في كل خمس شاة ، فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها ابنة مخاض ، ثم ذكر فرائض الإبل ، ثم ذكر صدقة الغنم ، فقال : وصدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة فذكر صدقتها " . 
 593  - حدثنا  الربيع المرادي ،  قال : حدثنا أسد ،  قال : حدثنا حماد ،  وحدثنا  أبو بكرة ،  قال : حدثنا  أبو عمر ،  قال : أخبرنا حماد ،  قال : أرسلني  ثابت البناني  إلى  ثمامة بن عبد الله  ليبعث إليه بكتاب  أبي بكر  الذي كتب لأنس  حين بعثه مصدقا . 
قال حماد :  فدفعه إلي ، فإذا عليه خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا فيه ذكر فرائض الصدقات التي فرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين  الذي أمر الله - عز وجل - بها نبيه صلى الله عليه وسلم ، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها ، ومن سئلها على غير وجهها فلا يعطها ، ثم ذكر مثل حديث إبراهيم  الذي ذكرناه  [ ص: 294 ]  . 
وكان قد أطلق ذكر الإبل في أول الحديث ، ثم قصد في الغنم إلى السائمة منها . فدل ذلك أن العاملة منها بخلاف السائمة ، وأنه لم يقصد الذكر إلى السائمة في الصدقة إلا وحكمها خلاف ما سواها من المواشي غير السوائم منها . 
ولما كان ما خوطبنا به في القرآن من الزكوات لم يرد به وجوبها في كل الأموال ، وإنما أريد به وجوبها في خاص من الأموال وجب ألا يدخل فيما أجمعوا على أن المراد به الخاص ، إلا ما قد أجمعوا على دخوله فيه ، وما دل على دخوله فيه سنة قائمة أو قياس صحيح . 
				
						
						
