تأويل قوله تعالى : ( وآتوا حقه يوم حصاده   ) .  
قال الله - عز وجل - : ( وآتوا حقه يوم حصاده   ) فاختلف أهل العلم في هذه الآية ، فقال بعضهم : هي آية محكمة ، والحق المذكور فيها هو الواجب في الزرع من العشر ، ومن نصف العشر . وممن قال بذلك منهم :  مالك بن أنس  حدثنا يونس ،  قال : أخبرنا  ابن وهب ،  قال : قال  مالك  في قول الله - عز وجل - : " ( وآتوا حقه يوم حصاده   ) إن ذلك الزكاة " ، والله أعلم ، وقد سمعت من يقول ذلك . 
قال أحمد :  وقد روي هذا القول ، عن  ابن عباس  على اختلاف وقد روي عنه فيه ، سنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى . 
 669  - حدثنا فهد بن سليمان ،  قال : حدثنا محمد بن سعيد بن الأصبهاني ،  قال : أخبرنا  أبو معاوية ،  عن الحجاج ،  عن الحكم ،  عن مقسم ،  عن  ابن عباس   ( وآتوا حقه يوم حصاده   ) ، قال : " العشر ونصف العشر " .  
وقد روي هذا عن  محمد بن الحنفية  على اختلاف ، وروي عنه فيه سنذكره في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى . 
 670  - حدثنا فهد ،  قال : حدثنا محمد ،  قال : أخبرنا شريك ،  عن الحجاج ،  عن سالم المكي ،  عن  ابن الحنفية  مثله . 
وقد روي هذا القول عن غير واحد من التابعين سوى  محمد بن علي .  
 671  - حدثنا يونس ،  قال : أخبرنا  ابن وهب ،  قال : حدثنا  عبد الرحمن بن مهدي ،  عن  [ ص: 332 ] إبراهيم بن نافع المكي ،  عن  ابن طاوس ،  عن أبيه ، "  ( وآتوا حقه يوم حصاده   ) ، قال : زكاته " .  
 672  - حدثنا  إبراهيم بن مرزوق ،  قال : حدثنا  أبو عاصم ،  عن محمد بن رفاعة ،  عن  محمد بن كعب ،  في قوله - عز وجل - : ( وآتوا حقه يوم حصاده   )  ، قال : ما قل منه أو كثر ، وقال بعضهم : هي آية منسوخة . ورووا ذلك عن  ابن عباس .  
 673  - حدثنا فهد ،  قال : حدثنا محمد ،  قال : حدثنا  حفص بن غياث ،  عن الحجاج ،  عن الحكم ،  عن مقسم ، عن  ابن عباس ،  في قوله : ( وآتوا حقه يوم حصاده   ) ،  قال : " نسختها العشر ونصف العشر " . 
اختلف  أبو معاوية ،  وحفص  في هذا عن الحجاج ،  فرواه كل واحد على ما ذكرنا . ورووا ذلك أيضا عن  محمد بن علي بن الحنفية .  
 674  - حدثنا فهد ،  قال : حدثنا محمد ،  قال : أخبرنا حفص ،  عن الحجاج ،  عن سالم المكي ،  عن  ابن الحنفية ،  مثله . 
فاختلف شريك  وحفص  عن الحجاج  في هذا ، فرواه كل واحد على ما ذكرناه . وقد روي هذا أيضا عن النخعي .  
 675  - حدثنا  إبراهيم بن مرزوق ،  قال : حدثنا  يحيى بن حماد ،  عن  أبي عوانة ،  عن مغيرة ،  عن شباك ،  عن إبراهيم ،  في قوله : ( وآتوا حقه يوم حصاده   )  قال : نسختها الزكاة ، وقال بعضهم : هي محكمة ، والحق المراد فيها غير الزكاة . وقد روي هذا القول عن  ابن عمر .  
 676  - حدثنا سليمان ،  قال : حدثنا الحصيب الحارثي ،  قال : حدثنا  محمد بن مسلم الطائفي ،  عن أيوب ،  عن  نافع ،  أو إسماعيل ،  عن  نافع ،  عن  ابن عمر ،  في قوله : ( وآتوا حقه يوم حصاده   )  قال : " كان إذا صرم يعطي ضغثا " .  [ ص: 333 ]  . 
وقد روي هذا عن  مجاهد  بغير هذا اللفظ . 
 677  - حدثنا  إبراهيم بن مرزوق ،  قال : حدثنا  وهب بن جرير ،  عن  شعبة ،  عن  منصور ،  عن  مجاهد ،   ( وآتوا حقه يوم حصاده   ) ، قال : " إذا حصد أطعم منه ، وإذا أدخله البيدر أطعم منه ، وإذا داسه أطعم منه   " . 
 678  - حدثنا  إبراهيم بن مرزوق ،  قال : حدثنا  أبو عامر ،  عن سفيان ،  عن  منصور ،  عن  مجاهد ،   ( وآتوا حقه يوم حصاده   ) ، قال : " كان يلقى له من السنبل " .  
 679  - حدثنا فهد ،  قال : حدثنا  عبد الله بن رجاء ،  قال : حدثنا سنان بن عبد الرحمن ،  عن  منصور ،  عن  مجاهد ،   ( وآتوا حقه يوم حصاده   ) ، قال : إذا حضروا عند الحصاد أعطاهم السنبل ،  وإذا حضروا عند الكيل حثا لهم من الحنطة ، وإذا علم كيله أخرج زكاته ، وإذا حضروا عند الجذاذ أعطاهم من الثمر ، وإذا حضروا عند الكيل خبا لهم منه ، وإذا علم كيله عزل زكاته . 
فهؤلاء كانوا يذهبون في الحق المذكور في هذه الآية أنه سوى الزكاة ، كما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أنه قال :  " في المال حق سوى الزكاة " ،  وقد روينا ذلك فيما تقدم في كتابنا هذا . 
وقد روي عن  جابر بن عبد الله  في هذه الآية أنها محكمة والمراد بالحق المذكور فيها الزكاة ، والاستدلال على ذلك بقوله - عز وجل - : ( ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين   ) . 
 680  - حدثنا  يحيى بن عثمان ،  قال : حدثنا نعيم ،  قال : حدثنا  ابن المبارك ،  قال : حدثنا محمد بن سليم ،  عن حبان الأعرج ،  عن  جابر بن زيد ،  وأبي حنيفة ،   ( يوم حصاده   ) قال : الزكاة المفروضة  [ ص: 334 ]  .  
ولولا ذلك لم يقل : ( ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين   ) . 
قال أحمد  رحمه الله : ومعناه عندنا ، والله أعلم : أن المسرف لا يكون إلا بمجاوزة الواجب ، كقول الله - عز وجل - : ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا   ) . 
قال : لا يقتل غير قاتله ، والله أعلم بما أراد ، غير أن أهل العلم قد أجمعوا فيما أخرجت الأرض الحرة العشر أو نصف العشر على ما قالوا من ذلك ، وعلى ما قاله بعضهم من وجوب ذلك في قليله وكثيره ، وعلى ما أوجبه بعضهم في مقدار منه دون ما سواه مما هو أقل من ذلك المقدار ، وعلى ما أوجب بعضهم في ذلك كله إلا الحطب والقصب والحشيش ، وعلى ما أوجبه بعضهم فيما له من ذلك ثمرة باقية دون ما سواه مما لا ثمرة له باقية فيما سنذكره وقائليه ، وما روي فيه في مواضعه إن شاء الله تعالى . 
				
						
						
